. . . إن الخلاف بين ما يسمونه القديم والجديد ليس بخلاف على جديد ولا قديم، ولكن على ضعف وقوة؛ فأن قوماً يكتبون وينظمون، ولكن لم تقسم الفصاحة والبلاغة على مقدار ما يطيقونه من ذلك، ولا يتسع الصحيح لآرائهم في اللغة والأدب؛ وقد أرادوا أن يسعوا كل ذلك من حيث ضاقوا، ويطاولوه من حيث تقاصروا، وينالوه من حيث عجزوا، فظنوا بالأمر ما يظن إنسان يمشي على الأرض ويعرف أنها تدور فيؤول ذلك بأنه هو مدير الأرض على محورها بحركة قدميه. . . نحن نقول: أسلوب ركيك، فيقولون: لا بل جديد!! ونقول: لغة سقيمة، فيقولون: بل عصرية!! ونقول: وجه من الخطأ، فيقولون: بل نوع من الصواب!!
. . . إننا لا نعرف قديماً محضاً ولا جديداً صرفاً، ولا نقيم وزن أحدهما إلا بوزن من الآخر إذا أردنا بهما سنة الحياة، وأنت لم تجد حياً منقطعاً مما وراءه؛ بل أنت ترى الطبيعة قيدت كل حي جديد إلى أصلين من القديم لا أصل واحد هما أبواه، فمنها يأتي، ومنها يستمد، وهما أبداً فيه وإن كان على حدة.
. . . المذهب القديم هو أن تكون اللغة لا تزال لغة العرب في أصولها وفروعها، وأن تكون هذه الأسفار القديمة التي لا تحويها لا تزال حية تنزل من كل زمن منزلة أمة من العرب الفصحاء، وأن يكون الدين العربي لا يزال هو هو كأنما نزل به الوحي أمس، لا يفتننا فيه علم، ولا رأي، وأن يأتي الحرص على اللغة من جهة الحرص على الدين، إذ لا يزال منهما شيء قائم كالأساس والبناء لا منفعة فيهما معاً إلا بقيامهما معاً. . .
. . . سألت بعضهم ما هو الجديد الذي تحامون عنه؟ قال: هو ما يكتب به في الصحف. قلت: فأن فيما يكتب الضعيف والساقط المرذول ثم ما هو إلى الجزالة والفصاحة، ثم ما يلتحق بجيد الكلام، فأي هذه تريد؟ وأيها ليس قياساً من أصلها العربي المعروف؟ أفتجعلون