لكل موجود قوة حيوية تنفع كل النفع أو بعض النفع في إذكاء روح
الوجود، وما كان تفاوت الأوصاف بمانع أهل الضعف من القول بأن
لهم فضلاً في إكمال الصورة الملونة لخريطة الموجودات. وهل عرفت
قيمة الفاضل إلا بالقياس إلى المفضول؟
ولكني لا أريد لك أن تكون إشارة تكميلية في الصورة الوجودية، ولا يرضيني أن يقال أنك على ضعفك مظهر من مظاهر الوجود، فما أرضى لك هذا المصير إلا يوم يصح عندي أنك لا تملك تغيير ما بنفسك، وانك لم تخلق إلا لتكون شاهداً على أن الناس درجات. ومن أين عرفت يا جاهل أن الله لم يرد لك الصيرورة إلى منازل الأشراف من أحرار الرجال؟
أنك تستطيع أن تكون عظيما حين تشاء، والعظمة الحقيقية هي أن تكون رجلاً نافعاً إلى أبعد الحدود في الميدان الذي أرادت الطبيعة أن تقفك فيه وقفة الحارس الأمين، فتكون أعظم الأدباء والمفكرين أن شئت، وتكون أكبر رجال الأعمال أن أردت، وتكون إماما في الصناعة أو التجارة أو الزراعة، وفقا لما خصك به الله من المواهب الأساسية، على شرط أن تهتدي إلى مفتاح السر المجهول.
فما هذا السر؟ وما ذلك المفتاح؟
السر هو نفسك، والمفتاح هو عقلك. واليك أسوق الحديث:
في النفس قوى غافية تفوق العد والإحصاء، وهل عرف إنسان قيمة ما تنطوي عليه نفسه من أعاجيب البراعة وغرائب القدرة على خلق المستحيل؟! لو عرف بنو آدم أقدار أنفسهم لحولوا الصحارى إلى رياض وبساتين، وعاشوا من أرواحهم في جنات وفراديس. وكيف وبنو آدم بلا عقول، كما عبر أبو العلاء؟!
ادرس نفسك في كل وقت وحاول التعرف إلى ما في قرارها من القوى الغافية، وتذكر يا جاهل أن أكثر العظماء لم يكونوا في بداياتهم إلا نكرات لا تبشر بشيء، وتذكر أنك لم تصل إلى غاية بعيدة أو قريبة إلا بعد لاستصباح بالأقباس المكنونة في سرائر نفسك، فما