للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رسالة الفن]

الوجودية

(مهداة إلى الدكتور محمد القصاص)

للأستاذ علي متولي صلاح

يكتب الكثيرون عن الفلسفة الوجودية، وعن المذهب الأدبي الوجودي، فيتهمون المذهب بالشذوذ والانحراف عما يقضي به العقل السليم، ويرمونه بأنه انتكاس للطبيعة الإنسانية، ورجوع بها إلى حال الهمجية والبدائية الأولى، وهم في ذلك لم يبلغوا من فهم هذا المذهب شيئا، ولم يدرسوه دراسة تبيح لهم أن ينالوه بهذه المطاعن، والناس - بعد - أعداء ما جهلوا، وهم أسرع إلى الاتهام، وأشد نهضة إلى كلمة السوء!

وكان آخر ما كتب في هذا الصدد تلك الكلمة الفجة المبتسرة التي كتبها الأستاذ أحمد الصاوي محمد في (الأهرام) منذ أيام، فلم يبسط فيها رأيا، ولم يتكلم فيها بشيء عن قواعد المذهب الوجودي ومقوماته، ولكنه أبتدر أصحابه بالإساءة رأسا حين كتب يقول: (هل المخلوق إلا عدما!؟ من ذا الذي يقول ذلك غير زعيم (الوجوديين) جان بول سارتر زعيم ذلك الخليط العجيب من الناس الذين اجتمعت كلمتهم على تقبيل بعضهم بعضا في المقاهي دون أن يعرف بعضهم بعضا؟. لقد شهدت باريس أمس روايته التمثيلية الجديدة (الشيطان والله سبحانه)! ولم يجتمع لرؤيتها أولئك (الحرافيش) الذين ينتسبون إلى أستاذهم؛ وهم في ثياب مهللة مفتوحة، بل اجتمعت طائفة من أشهر نجوم السينما.

والعجيب في أمر هذا المذهب أنه - ولو أن براعمه لم تتفتح بعد - قد تعرض لأذى كثير، وسخرية كبيرة من الناس، ونقم عليه الشيوعيون والبرجوازيون وأصحاب المذاهب المتطرفة كما نقم عليه المواطنون والاستعماريون والمحافظون، ولعنه الكاثوليكيون والراديكاليون الفرنسيون، وأولئك يعادون الكاثوليكيين أشد معاداة! وأتخذ الناس رمز القبيح والسفه، حتى ليروي جان بول سارتر أن سيدة فرنسية غضبها بقولها (يبدو أني قد أصبحت وجودية)!

ولكن أصحابه صامدون لهذا الأذى الذي يتناولهم الناس به، مؤمنون بأنهم يقومون الإنسانية

<<  <  ج:
ص:  >  >>