للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البَريدُ الأدَبيَ

خواطر مسجوعة:

(مهداه إلى الأستاذ حامد بدر)

في الناس قوم لا يرون إلا الذهب، ولا يسمعون إلا رنينه، لا يبالي أحدهم أن يئد الأدب، ويبيع في سبيل العار وطنه ودينه. همه أن يقال شجاع جرئ، وهو - في الحق - صغير بذئ، أو ينال الزلفى والجاه، وإن عفر على الأعتاب الجباه.

يتظاهرون بأنهم مصريون، ومصر عليهم براء، ويتماجدون بأنهم ألمعيون، وهم - في الحق - رقعاء. المال أعمى أبصارهم، وأخمد نارهم، فأنكروا دارهم، وتجاهلوا جارهم، ولجئوا إلى المغالطة والكذب، وما ألجأهم إلا الذهب.

كم ظهر الفرح على وجوههم حين تنال مصر بشر! وكم بدت الشماتة على ألسنتهم حين يمسها الضر! في القلوب حقد دفين، يخفيه الطمع في برها، ويظهره الطمع في غيرها. وفي الأخلاق داء مكين، يجعل المنفعة أساسها، ويجعل النفاق رأسها. مسكينة مصر، تلقى منهم كل ضر، يأكلون من خيراتها، وينسبون إليها، وهم ألد عداتها، بل أقسى من عداتها عليها.

ومن عجب أن مصر تعرف كل ذلك، ولكنها تغض الطرف عما هنالك. في الصحف طعن عليها وسباب، وفي المجالس نيل منها واغتياب، ولكن الكرم الحاتمي أخص صفاتها، والحلم الأحنفي رفيق حياتها،

والنفس تأكلها الحسرة، وتخنقها العبرة، حين ترى المحسن يساء، والمسيء يأخذ ما يشاء، هل جاءكم نبأ موظف مصري لا يعجبه في مصر شئ، ويعجبه في غيرها كل شئ؟ وهل سمعتم برجل من رجال العلم هو أداة طيعة في يد المال يصرَّفه كيف شاء، ولا يبالي أحسن أم أساء؛؟.

نحن نعيش بين العبر، ولا نعرف المبتدأ من الخبر، وعلى ألسنتنا القول ولا نقول، وما غناء القول إذا تغابت العقول. . .

علي العماري

<<  <  ج:
ص:  >  >>