للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[صور من الحياة:]

ضعف

للأستاذ كامل محمود حبيب

تباً لك يا من تتشح بالمبادئ الفجة والنظريات السقيمة لتغوى العقول المتداعية والأذهان الضعيفة فتخدعهم عن الوطن وهو روح القلب، وتصرفهم عن الدين وهو روح الحياة، وتشغلهم عن اللغة وهي سر الكرامة. أي شيطان وسوس لك - يا صاحبي - فرحت تمتهن الوطن والدين واللغة، وجئت تريد أن تسترق الناس منها جميعاً لتذر هم - بعدها - حطاماً خوى من الكرامة والرجولة والإنسانية. لقد قلت لي يوماً (أنا ابن الطبيعة وثمرة الحرية فدعني أهم في أرجاء الأرض لا يقيدني وطن، ولا يمسكني دين، ولا تربطني لغة. دعني أنطلق منها فهي أغلال ثقيلة تشل عقلي وتصعق خواطري وتعبث بأفكاري) آه يا صاحبي، إنك حين تنبذ المعاني السامية للوطن والدين واللغة تسجل على نفسك أن في عقلك لوثة وأن في خواطرك خللاً، وأن في أفكارك صدعاً.

لقد درج أحمد وشب في كنف الريف، ونما وترعرع في حضن الغيط، وقوى وأشتد في ظل الدين. ثم دفعه أبوه إلى الكُتاب ليقرأ - أول ما يقرأ - القرآن، ويتعلم - أول شيء - الوضوء والصلاة. وقضى سنوات يغدو إلى الكتاب ويروح إلى الدار أو إلى الحقل ويختلف إلى المسجد، وأبوه رجل ريفي جلف، غليظ الكبد، شديد البخل، سريع الغضب، ضيق العقل، ثائر الأعصاب، تنزعج الدار لرؤيته، وتتفزع لغضبه، وهو - دائما - يتلمس أوهى الأسباب ليزجر زوجه في عنف، ويعاقبها في جفوة ويقسو عليها في إفراط، والزوجة تضطرب بين يديه في صمت وتبكي في تخاذل، والدار في عينيها جحيم تتسعر ما يهدأ أوارها، ولا يسكن لهبها إلا حين يتوارى هذا الوحش الكاسر.

وشب الفتى بين أب جاف وأم متكسرة، يشهد عنت الأب وثورته ويقاسي هوان الأم وذلتها، وهو عاجز اليد واللسان لا يستطيع أن يرد أباه ولا أن يدفع عن أمه، فعاش هملاً في ناحية من الدار يفتقد العطف، وقلب أبيه صلب لا ينبض بشفقة، ولا يخفق برحمة. والبخيل - دائماً - رجل أرضي النزعات ترابي المشاعر طيني الجبلة لا تشرق في نفسه أضواء الرجولة ولا ومضات الإنسانية. وأمه في شغل تجتاحها العواصف من حولها فلا تحس في

<<  <  ج:
ص:  >  >>