هذا موضوع لا زلت به حفياً وله متطلباً. تصديت لبحثه منذ زمن، وقرأت لأجله كثيراً من المراجع التي أرَّخت الإسلام وحالة العلم والعلماء في العصور المختلفة. وقد أعلم أن بحث الخلاف بين رجال الدين والفلسفة أبيّ الزمام عسير العلاج، وأنه حري أن يجعلني مرمي النظر الشزر وغرض الألسنة الحداد. ولكن الأيام وما خلعته من قداسة على بعض رجال الدين حالت دون نقد ما كان لهم من آراء وأحكام بالتحليل والتحريم والإيمان والتكفير، وما كان لهذا أثر جعل كثيراً يجمدون مع الزمن ويأبون إلا أن يجعلوا أصابعهم في آذانهم. ولكن الخصومة المشبوبة النار بين أنصار القديم وبين أنصار الجديد في الأزهر وغير الأزهر؛ لكن هذا وذاك جعلني أستسهل الصعب، ولا أتهيب الخطر، وأحاول أن أبين
- بعد استعراض مراحل هذا الخلاف وألوانه ومظاهره عصراً بعد عصر - أن ما كان يوماً ما بين الدين وبين الفلسفة، بل كان بين بعض رجال الدين وبين الفلسفة لبواعث يرجع بعضها لحب الدين والعمل على الدب عنه، وبعضها يرجع للجهل والتعصب وحب الرياسات. هذا واجب يتعين على بعضنا أن يندب له نفسه؛ لأنه مما يوجع القلب ويحز في الصدر ألا يزال الكثير - حتى في هذه الأيام - يرى ما كان يراه بعض الذين اتخذوا الدفاع عن الدين وسيلة لذيوع الاسم من أن هذا الفيلسوف ملحد وذاك كافر من غير بينة أو دليل، إلا ما سمعه عن أحد أولئك الذين تقدم بهم الزمن، دون أن يكلف نفسه محاولة الاطلاع على شيء من الآراء التي كانت السبب في الحكم بالفكر أو الإلحاد في الدين، ودون أن يتعرف البواعث الحقة التي بعثت على هذه الأحكام ليعرف ما كان منها لله وما كان للدنيا وزينتها! وأحب قبل كل شيء أن أجلو أمري وأشرح قصدي من هذه المحاولة.
١ - لست من القائلين ببقاء القديم على قدمه، ولا من الذين يعيبون بعض الشيوخ لما شبوا عليه، وانطبعوا بمرور الأيام به، من الحياة حسب مناهج القرون الماضية وأساليبها، والعزوف عن الجديد والتخوف منه، وعدم القدرة على تحضير البحوث العميقة الشاملة التي تحتاج لكثير من مراجع لا طاقة لهم بالرجوع إليها.