تأثير اللغة باللغات الأخرى: تبادل المفردات بين اللغات
للدكتور علي عبد الواحد وافي
مدرس العلوم الاجتماعية بكلية الآداب
عالجنا في المقال السابق عاملاً من عوامل تطور اللغة، وهو انتقالها من السلف إلى الخلف، وسندرس في هذا المقال عاملاً آخر من هذه العوامل وهو تأثر اللغة باللغات الأخرى
من المقرر أن أي احتكاك يحدث بين لغتين أو بين لهجتين - أيَّا كان سبب هذا الاحتكاك، ومهما كانت درجته، وكيفما كانت نتائجه الأخيرة - يؤدي لا محالة إلى تأثر كل منهما بالأخرى
ولما كان من المتعذر أن تظل لغة بمأمنٍ من الاحتكاك بلغة أخرى، لذلك كانت كل لغة من لغات العالم عرضة للتطور المطرد عن هذا الطريق
وأهم ناحية يظهر فيها هذا التأثر هي الناحية المتعلقة بالمفردات. ففي هذه الناحية على الأخص تنشط حركة التبادل بين اللغات، ويكثر اقتباسها بعضها من بعض: وقد تذهب بعض اللغات بعيداً في هذا السبيل، فتقتبس معظم مفرداتها أو قسماً كبيراً منها عن غيرها: كما فعلت التركية مع الفارسية والعربية، والسريانية مع اليونانية، والفارسية مع العربية. . . وهلم جرا.
وأما القواعد وأساليب الصوت فلا تنتقل في الغالب من لغة إلى أخرى إلا بعد صراع طويل بين اللغتين؛ ويكون انتقالها إيذاناً بقرب زوال اللغة التي انتقلت إليها واندماجها في اللغة التي انتقلت منها
ولهذا تخضع في الغالب الكلمات المقتبسة للأساليب الصوتية في اللغة التي اقتبستها، فينالها كثير من التحريف في أصواتها وطريقة نطقها، وتبعد في جميع هذه النواحي عن صورتها القديمة. فالكلمات التي أخذتها العربية مثلاً عن الفارسية واليونانية قد صبغ معظمها بصبغة