لقد لاحظ العلماء الذين توغلوا في درس الحوادث الاجتماعية اللسانية، أن الكلمات ما تنتقل من لغتها الأصلية إلى اللغات الأخرى حسب العلائق التي تنشأ وتتوثق بين الأمم التي تتكلم بها، وقد تندمج هذه الكلمات في اللغة التي دخلت عليها؛ فتنتظم في سلك كلماتها الأصلية وتتكيف بمقتضيات قواعدها الخاصة؛ وقد تولد نسلاً جديداً في موطنها اللغوي الجديد، يختلف عن النسل الذي كان قد تولد منها في موطنها الأصلي اختلافاً كلياً
أما أنواع الكلمات التي تنتقل بهذه الصورة من لغة إلى لغة، فتتبع - بطبيعة الحال - أنواع العلائق التي تحدث بين الأمم التي تتكلم بها: فالمعاملات التجارية تئدي إلى انتقال المصطلحات العلمية مع الآراء والمعلومات، والسيطرة السياسية تؤدي إلى انتشار الكلمات والتعبيرات المستعملة في الأنظمة الإدارية والعسكرية، والكلمات والمصطلحات التي تدخل على اللغة بسبب هذه العلائق المتنوعة، تبقى فيها عادة حتى بعد انقطاع تلك العلائق. . ولهذا السبب نجد العلماء الذين يستكشفون الحقائق في مجاهيل التأريخ يستندون في بعض الأحوال إلى (مقارنة الألسن) و (تتبع الكلمات) في استدلالاتهم المتعلقة بالحوادث التاريخية والتطورات الاجتماعية.
لعل الآثار التي تركتها التركية في مصر، ولا سيما في لغة الدواوين الرسمية، من أبرز الأمثلة وأقربها إلى ما أسلفنا. إذ أننا إذا استعرضنا عناوين الوظائف الرسمية في جداول الميزانية ودليل التليفون وتصفحنا بعض النشرات الرسمية، وتتبعنا بضعة أعداد من الجرائد اليومية، فسجلنا الكلمات والتعبيرات التركية التي نصادفها خلال هذا البحث السريع. . دهشنا من كثرة الكلمات والتعابير الباقية من عهد الحكم التركي في مصر
نستطيع أن نقول إن معظم النعوت والألقاب المستعملة في مصر هي من بقايا ذلك الحكم. ولا سيما الكلمات والتعابير التي تدل على الرتب الملكية والعسكرية، فكلها ترجع إلى منشأ