خرج شاعر العربية أبو الطيب المتنبي من مصر هارباً في سبيل آماله، فأتى عليه عيد الأضحى وهو شريد في الصحراء، تملأ نفسه الوحشة ويستبد به الحنين، فثارت شاعريته بتلك الصرخة الأليمة الخالدة:
عيد! بأية حال عدت يا عيد ... بما مضى أم بأمر فيك تجديد؟!
واليوم، يأتي علينا عيد الضحية، ونحن في حال الشاعر الكبير، نشيدنا هو تلك الصرخة الأليمة التي هتف بها في أذن الزمن من قديم، فكلنا ضحية للمرض الغائل، والوهم القاتل، والهم الجاثم، وكلنا غريب تملأ نفسه الوحشة والفرقة ينشد قول أبي الطيب:
عيد بأية حال عدت يا عيد. .
إن الأمر لله من قبل ومن بعد، فيا بارئ الناس غوثك ورحمتك بالناس. . فاللهم اكشف الضر عن عبادك أجمعين، وارفع الشر عن جندك المسلمين، وأدرك بعنايتك الفياضة هذه الأمة الضارعة إليك فيعود عليها هذا العيد بالخير العام، والسرور والسلام. .
أدب. . الكوليرا:
في عام ١٩٠٢ هجم وباء الكوليرا على مصر هجوماً عنيفاً فملأ نفوس الناس بالفزع، وملأ عواطف الشعراء بالتأثر، ففاضت قرائحهم بالقصائد في التنديد على ذلك الوافد الثقيل، وتطمين الخواطر للأقدار الجارية، مما لو جمع لكان ديواناً يمكن أن يسمى (ديوان الكوليرا).
أذكر من ذلك قصيدة للمرحوم الشاعر أحمد محرم تصور حال ذلك الوباء في تلك الأيام وشدة تأثيره على نفوس الناس، ويقول في مطلعها:
ضيف ولكن لا أقول سلام ... ولرب ضيف ذم منه مقام
ريعت لطلعتك القلوب وهالها ... هذا التوثب منك والإقدام
تسطو على سرب النفوس وإنما يسطو على سرب الحياة حمام
وتصول ما يثنيك عن آجالها ... عذل تؤجج نارة وملام
لو كنت ذا قلب يرق لنادب ... أمنت بلاءك هذه الأقوام