(في الاحتفال الذي أقيم بدار الجمعية الجغرافية لافتتاح الموسم الثقافي لخريجي الجامعة المصرية ألقيت ثلاث خطب في تحديد أهداف الموسم: خطبة الدكتور منصور بك فهمي في الهدف الروحي، وخطبة الدكتور حسن إبراهيم في الهدف الاجتماعي، وخطبة الدكتور زكي مبارك في الهدف الأدبي. وحال مرض الدكتور عبد الوهاب عزام دون خطبته في الهدف العلمي)
هذه فاتحة الموسم الثقافي لخريجي الجامعة المصرية، والجامعة أول مظهر من إرادة الأمة في العصر الحديث، فقد أنشأتها الأمة قبل أن تفكر فيها الحكومة، والأمم لا تسبق الحكومات إلا حين تكتمل فيها الحيوية الروحية والعقلية. وقد كان من أثر ذلك أن صارت الجامعة منذ إنشائها إلى اليوم مثابة لحرية الفكر والرأي. ولعلكم تذكرون إنها لم تقبل الانضمام إلى الحكومة إلا بعد إعلان الاستقلال، وبعد أن صارت الفكرة القومية هي التي توجه مذاهب التعليم والتثقيف إلى خير البلاد
كان الموسم الثقافي لخريجي الجامعة حلماً يعتاد خاطري من حين إلى حين، وكان الرأي عندي أن ينهض به الخريجون المستقلون، وأعني بهم من لا يتصلون بالجامعة عن طريق التدريس، لأن الجامعة أعدت هؤلاء لتثقيف الطلبة، وأعفتهم من تثقيف الجماهير، ولأن لبث الثقافة الجامعية خارج أروقة الكليات أساليب يجيدها الجامعيون المستقلون بأقوى مما يجيدها الجامعيون الرسميون. . . وهل ننسى أن للتدريس قيوداً تحصر المدرس في آفاق لا تتسع في كل وقت لدرس ما يتصل بالمجتمع من معضلات لا يلتفت إليها الطلبة إلا بعد أن تكتوي أيديهم بنيران المجتمع؟
إن الجامعي المدرس يكون في أحسن أحواله يوم يصبح على رأي الفراء حين قال: سأموت وفي نفسي شيء من حتى!
ومعنى ذلك أن أفضل حياة للجامعي المدرس هي الحياة التي تفرض عليه أن يكون إماماً في تشريح الجزئيات، عساه يصل بتلاميذه إلى تصور الكليات، في تواضع محبوب ينسيه وجوده الذاتي، ويحبب إليه الرضا بحظ الجندي المجهول في تثقيف العقول