ويعود أرسطو منذ مطلع الباب الرابع إلى ما كان بسبيله قبل نقد المثل الأفلاطونية، فبعد الهدم البناء، وبعد التجريح التصحيح، وهنا يعود أرسطو إيجابياً كما كان، فيقرر ما سبق أن أنتهي إليه في الفصلين الأولين من أن لكل فن خيره الخاص وفقاً لغايته التي يرمي إليها بكل وسائله، وأن الخير الأعلى هو ما كان أكثرها كمالا ونهائية. . . أي الذي يبحث عنه لذاته لا لأجل خير آخر، وهو. . . في كلمة واحدة - السعادة. . . فإن كافة الخيرات الجزئية كالعلم والفضيلة واللذة والشرف لا ينبغي إلا من أجلها، كما أن السعادة لا تكون إلا بواحدة أو أكثر من هذه خصوصاً وقد بينا أن الإنسان حيوان اجتماعي لا يعيش منعزلاً، ولا يحيا لنفسه بقدر ما يحيا لأسرته وأصدقائه ومواطنيه؛ فسعادته لا تنفك عن الارتباط بسعادة هؤلاء جميعاً. والسعادة إلى جانب كونها غاية قصوى تطلب لذاتها، وتطلب الخيرات الأخرى لأجلها، هي كافية بذاتها بمعنى أنها تقوم بذاتها كغاية لا تحتاج إلى ما يحببنا فيها، بل لأجلها بالأحرى تحب الخيرات الأخرى. وهذا ما يعنيه بالاستقلال (ف ٧، ٨).
وها قد نأدي بنا أرسطو إلى تحديد ماهية السعادة بالمعنى الفلسفي، إنها تحقيق العمل الخاص بالإنسان، لا بما هو ذو وظيفة اجتماعية يكسب منها، فإن إمكان تغييرها ومزاولة غيرها تجعل الوظيفة غير ذاتية ومشخصة له، ولا بما هو كائن حي تام أو غاد، فتلك خصائص النبات أيضاً، أو حساس ومنحرك بالإرادة مادام أن هذه الصفات يشترك معه فيها الحيوان. بقي أن تكون خاصة الإنسان المميزة هي حياة العقل وفاعلية الفكر، وأن تكون وظيفته الخاصة به. . . بما هو إنسان هي فعل النفس المطابق للعقل؛ العقل الصادر عن طبيعة وملكة وسجية لا عن محض صدفة؛ والذي هو نتيجة مران واستمرار للمزاولة المنتظمة للفعل بما يؤدي إلى حسن الأداء؛ فإن الخير أو الفضيلة عند أرسطو يريدها أن تكون ثابتة راسخة وصادرة عن ذات الكائن بسهولة ويسر لا تكلف فيه ولا تعمل. . . حتى تكون فضيلة حقاً لا مجرد عمل فاضل أوحد.