للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويفيدكم هنا كثيراً الرجوع إلى تقسيم أرسطو للنفس إلى نباتية وحيوانية ثم عاقلة ووظائف كل منها (في المراجع العربية التي سبق أن أشرت إليها). كما يفيدكم جداً بل من الضروري جداً - مقارنة نظرية السعادة عند أرسطو بالنظريات الأخلاقية الأخرى خصوصاً نظرية الواجب لكانت الفيلسوف الألماني (وقد أتى المترجم الفرنسي لأخلاق أرسطو على طرف منها)، وكذلك نظريات فلاسفة الإنجليز المحدثين في كتاب المدخل إلى الفلسفة المترجم إلى العربية والمقرر في الامتحان الشفوي (في باب النظريات الأخلاقية)

وكأن أرسطو لا يقنع بهذا التخطيط الذي وضعه للسعادة؛ فهو يصفه بالنقص، ويعتذر عن نقصه بأن الكمال لا سبيل إليه؛ وأن الزمان كفيل بالعمل على إكمال وجوه النقص التي تعتري الشيء بعد اكتشافه. وهنا إيمان قوي من جانب الفيلسوف بعنصر الزمان كعامل على التطور والتقدم. وأساس الروح العلمي أن نعتقد أن ما انتهيت إليه لابد أن ينير منه بإكمال نقصه أو ربما بإظهار خطئه وإدحاضه، وأنه ليس بعد فصل الخطاب أو نهاية المطاف.

ويعود ارسطو مرة أخرى فيحشد للتدليل على صحة نظريته في الخير والسعادة أدلة مستقاة من الواقع الحي، لأن الحقائق الواقعية عنده هي في اتفاق مع التعريف الصحيح (ب٦ف١) فيكرر القسمة الثلاثية للخير التي سبق أن قال بها (ب٢ف١٠) يجعل خير النفس من هذه الخيرات كلها في القمة، ما دام أنه مطابق للرأي الذي أجمع عليه الفلاسفة السابقون عليه ومنهم أفلاطون (ف٢) ومطابق كذلك للمبدأ المعروف لدى اليونان من أن فضيلة الشيء إنما تكون في تحقيق وظيفته التي من أجلها وجد كالإبصار للعين، والبتر للسيف. . . الخ (ف٣) ومطابق في المقام الثالث لما يرى الناس من أن السعادة الحقة هي في حسن السيرة وفلاح المرء (ف٤) والنتيجة إذن أن ما قال به أرسطو كحد للسعادة يشمل كل وجهات النظر فيها سواء اقترنت بشيء من اللذة والخيرات الأخرى الضرورية كما يرى البعض أو خلت منها (ف٥) وسيأخذ بها حتما أولئك الذين يرون أن السعادة هي الفضيلة، أو فاعلية النفس بما يطابق الفضيلة (ف٧) كما سبق أن قرر (ب٤ف١٤)

ثم إن أرسطو يردد رغبته الملحة في ألا يكون الخبر الأعلى محدوداً أو مشروطاً بظروف خاصة أو يكون ملكة سلبية معطلة قابلة غير فاعلة بل يريد، أن يكون فعلاً، وفعلاً حسناً

<<  <  ج:
ص:  >  >>