أجل يا صديقي مُسِّيه: الله في السماء والأمل في الأرض! وبين رَوْح الله المؤاسي، ومَدد الرجاء الآسي، تندمل الجفون القريحة، وتلتئم القلوب الجريحة، وتنتعش الجدود العاثرة
الكروان يموت فرخه في المساء وفي الصباح يرقص ويصدح، والشاة يُذبح حَمَلها في الحظيرة وفي المروج تثغو وتمرح، والقلب يُقطع من القلب، والروح تُنزعُ من الروح، ثم يعيش المحب بعد حبيبه، والوالد بعد ولده، كما يعيش النهر الناضب في ارتقاب الفيضان، والروض الذابل في انتظار الربيع!
لله على الناس نعمتان لا يطيب بدونهما العيش ولا يُبَلغ إلا عليهما العمرُ: النسيان والأمل.
ماذا كان يصنع الأسى بالقلوب الوالهة
إذا لم يمح النسيان من الذهن صورة الحبيب الراحل أو الهاجر؟ تأمل حالك يوم فجعك الموت في عزيز عليك، أما كنت تجد لهيب الحزن متصلاً يوقد صدرك من غير خُبُوّ، ويذيب حشاك من غير هدنة؟
تصور دوام هذه النار على نياط القلب وأعصاب الجسد، ثم قدر في نفسك الحياة على هذه الصورة. على أنها والحمد الله لا تدوم؛ فإن الجبار الذي سلط الألم على الروح، هو الرءوف الذي سلط الزمن على الألم. فالزمن لا ينفك يسحب الأيام والليالي على الصور والآثار حتى تنطمس المَشابه، وتعفو الرسوم، ولا يبقى من المفقود إلا صورة لا تنطق، ولا من الجرح إلا ندبة لا تحس
وماذا كان يفعل اليأس بالنفوس المكروبة إذا لم يفتح الأمل أمامها فرجة في الأفق المطبق وفسحة من الغد المجهول؟
يا ويلتا للفقير يعتقد أن فقره يدوم بدوام الحياة، وللمريض يرى أن مرضه ينتهي بانتهاء الأجل! ويا بؤسَ للحياة إذا لم يقل المأزوم والمحروم والعاجز: إذا كان في اليوم قنوط ففي الغد رجاء، وإذا لم تكن لي الأرض فستكون لي السماء!