من تلك الفكوك المتحجرة التي وجدناها عرفنا أنه قد عاش في الغابات الاستوائية في أوائل عصر البليوسين نوع من القردة الكبيرة، وأنه قد كان لنوع من أنواع الغوريلا أو الشمبانزي أو أورانج يورنيو وسومطره كبير الحجم يمت إلى الإنسان بالشبه من وجوه مختلفة. وأننا نعرف أن أصناف القردة التي تسمى والتي يمثلها قرد الأورانج والسيامي كانت موجودة، وأنه كانت هناك كذلك أنواع أخرى تختلف كثيراً عما نراه في نظيراتها اليوم، إلا أنها كانت من أصل واحد. ولذلك فإن من الممكن القول أن ذلك النوع الذي تفرع وتطور من الإنسان كان موجوداً في أوائل عصر البليوسين.
ونحن إذ تقدمنا في بحثنا إلى عصر الميوسين فإنه لا يمكننا أن نجد فيه أي أثر إنساني. وليس في استطاعة من يعرف أن بحثنا لم يكن إلا قصير المدى ولمدة وجيزة وأن هناك معلومات قيمة جيولوجية لم يكشف عنها بعد، إلا أن يقول إن الإنسان لم يوجد في عصر الميوسين بشكله الذي نعرفه به. وليس هناك أي شك في أن أواخر ووسط عصر الميوسين كانت فترة تطور كبيرة مدهشة في عالم القردة، دليلنا على ذلك ما قد كشف بين ثنايا طبقات ذلك العصر من متحجرات وبقايا مما لا يقل عن عشرة أنواع من أنواع القردة الكبيرة التي فاق حجمها حجم الإنسان. وكانوا عمالقة إذا ما قورنوا بما قد سبقهم من الأنواع الكبيرة. ولما كان الإنسان عملاقاً أولياً بالنسبة لباقي المخلوقات وكانت هذه الحيوانات وأحجامها أمام فكرنا، فإنه لا يسع الإنسان إلا أن يشك في أن الإنسان قد تفرع في ذلك الوقت عن فرع منها.
أما معلوماتنا عن القردة فقد بنيناها على ما قد وجدناه من بقايا فكوكها وحطام أسنانها. يقول عنها بعض العلماء أنها بقايا نوع من القردة الكبيرة كان متجهاً نحو التطور الإنساني، ولكن لا يمكننا الحكم بذلك من مجرد بقايا لفك أو بضع أسنان، لأنه قد سبق لنا أن مظهر الفك وشكله لا يدلان على نوع صاحبه كما عرفنا في إنسان البلتدون. ولكن البرهان الحقيقي الذي يمكننا أن ننتزع منه الحقائق الثابتة هو الجمجمة وعظمة الفخذ والقدم، وهذا ما لم