للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب في سير أعلامه:]

ملتُن. . .

(القيثارة الخالدة التي غنت أروع أناشيد الجمال والحرية

والخيال. . .)

للأستاذ محمود الخفيف

وكان تشابل عنيداً ضيق الصدر، وكانت وظيفته تقتضيه ألا يتساهل فيما كلفته به إدارة الكلية، ولم يكن في وسعه أن يتغاضى عن مرد ذلك الطالب وإلا تتعرض لمؤاخذة القائمين بالأمر، فما يحب هؤلاء أن تشيع العدوى في بقية الطلاب؛ لهذا لم يكن بد من معاقبة جون ملتن عل في ذلك رادعاً له وعبرة لغيره.

وعوقب الفتى بإبعاده من الكلية إلى حين؛ وقيل إنه عوقب بالضرب إلى جانب ذلك، كان أكثر المترجمين له ينكرون ذلك أو يستبعدونه؛ على أن الضرب في ذاته يومئذ كان أمراً يقع في الكلية، فلم تكن العقوبة البدنية محرومة حتى في الكلية.

وقضى ملتن فترة النفي في لندن غير آبه بما حدث؛ يظهر في كل حين عدم مبالاته، فلن تنال منهَ قسوة مدرس يتجنى عليه، كما ذكر في بعض رسائله إلى (ديوداتي) أحد خلانه في مدرسة سنت بول؛ وإنه ليفضي إلى ديوداتي أنه جد سعيد بأبعاده عن كمبردج فما يطيب بها المقام لرهط أبولو؛ وأنه يستمتع بفراغه فيغشى المسارح كثيراً، ويقرأ من الكتب ما يحب غير مقيد بقيود تشابل؛ وأنه يسرح الطرف في شوارع المدينة إذ يذرعها جيئة وذهابا، ويمد عينيه إلى حسان لندن وقد لُحن له بعد أيامه الجافة في كمبردج أروع مما كن حسناً وأرشد فتنة، حتى إنه ليرى من الحكمة أن يبادر بالرحيل قبل أن تمسه جراح كيوبيد.

وتكشف لنا رسائله المنظومة والمنثورة إلى صاحبه عن بعض نوازع نفسه، فهو يحب المسرح ويكثر غشيانه؛ ولن يفعل ذلك متزمت يرى من أدلة الاستقامة أن يحرم على نفسه زينة الله التي أخرج لعباده؛ وهو يمد عينيه إلى الغيد ولكنه هنا يخشى الغواية فيطلب النجاة؛ وكان حريا أن يقع في حبالهن وأن يقمن في حباله بما توفر له من الجمال والوجاهة

<<  <  ج:
ص:  >  >>