ما قرأت في اللغة العربية سيرةً كتبها صاحبها عن نفسه فحالفه فيها توفيق كالتوفيق الذي أصابه الأستاذ صلامه موسى لما سجل أخيراً سيرته وأصدرها في كتاب عنوانه (تربية سلامه موسى). فهو كتاب أصيل فريد يمتاز بالصدق والإخلاص، ويبسط آراء الكاتب وانفعالاته وما استثاره من أحداث، وما استفزه على التفكير، ويرد لأساتذته المفكرين ديناً، ويرشد أبناء الجيل الجديد إلى وسائل الكفاح الذهني وطرق التجاوب بين الإنسان والمجتمع الذي يحيط به.
والأستاذ سلامه موسى إنسان، بشري، يؤمن بالإنسانية وبالبشرية، ويرى أن العالم (قرية) لجميع قطانه، وأن الفضيلة موجودة في كل مكان حتى عند الزنجي الجلف الذي جافته الحضارة وطمست الجهالة مسام ذهنه. وهو ما فتئ يعطف على كل كائن: على الفراشة، وعلى الدابة؛ وما برح يؤكد كل حركة إصلاحية مستقبلية، سواء كانت هذه الحركة من جانب المرأة للتحرر من قيود الرجعية الآسرة، أو من جانب المستذلين من الشعوب، أو من جانب الراسفين في أغلال الجهل الواقعين فرائس للمرض والفقر. والأستاذ سلامة صريح صراحة غير مألوفة في مصر وفي الشرق، حتى إنه ليقول عن نفسه (أخطأت حين اعتنقت المذهب النباتي) و (كتبت مقالا عربدت فيه وفسقت) ويقول (وقعت في فجر شبابي في عربدة جنسية ذاتية) ويقول (تقاضيت جنيهين من شهر مرتباً من وزارة الشئون الاجتماعية)، ويوغل في اعترافاته إيغالا لا ضابط له إلا الحقيقة.
وقد يسأل القارئ: وما دخل (حياة) سلامه موسى في (تربيته)؟
والواقع أن الأستاذ سلامه ما سرد سيرته إلا ليوطئ بها لبسط فلسفته في التربية والتهذيب الذاتي. فهو يتحدث عن نشأته والبيئة التي أنبتته والمشكلات التي اعترضته ليبين كيف تسنى له أن يستجيب لهذه العوامل وكيف تحقق له أن يتلمس أسباب العلاج فكان يصيب أحياناً ويخطئ أحياناً شأن كل راغب في الاستطلاع، تواق إلى تحصيل معارف كونية موسوعية.
وناحية ذات شأن تعرض لها الكاتب في كتابه هي الحديث عن تاريخ الكفاح المصري في