صدر في الأيام القريبة الماضية ديوان (أصداءٌ بعيدة) للشاعر العوضي الوكيل، وصاحب الديوان غني عن التعريف وليس غريباً عن قراء الرسالة، وديوانه هذا الأخير يغري بالقراءة فقد قرأته عدة مرات، كنت أفتح الديوان عفواً فما أزال أقرأ وأقرأ حتى أجدني قد انتهيت من الديوان، ولعل هذه القراءة الكثيرة جعلتني ألحظ على الديوان شيئاً كنت أتمنى ألا ألحظه. فالشاعر العوضي شاعر له قصائد كثيرة تعطيك الفكرة الصحيحة الصادقة عن فن الشاعر الصادق. وبجانب هذه القصائد نجد مقطوعات لا تقل كثرة عن تلك، كان بودي أن ننسب لغير الشاعر الذي عرفناه فأنت حين تقرأ قصائد الديوان كأنك تقرأ لشعراء كثيرين متباينين قوة وضعفاً. فقصيدة الربيع مثلا التي يستهلها الشاعر بقوله
عدت يا صاحب الربيع وعدنا ... فامض في الكون كيف شئت وأنا
وكذلك قصيدتا الريف الفائية والرائية من أحسن ما يمكن أن يكتب عن الربيع وعن الريف، ولكن تعال معي مثلا إلى قصيدة الهجرة. . . . . .
رحلة لليقين والإيمان ... ونجاة الهوى من الطغيان
فتح القفر روحه للصديقين ... فأمسى بادية كالبستان
أيما ذرة من الرمل غنت ... ولكادت تهم بالطيران
حدثت أختها وفيها دبيب ... وهي نشوى بمقدم النسوان
بون شاسع بين هذا الشعر وما قدمت من نماذجه الجياد، ومن طراز هذا الشعر الأخير قصيدته في صلاح الدين ومقطوعته التي بعنوان (ونشيده العسكري وغير ذلك مما لا أرضاه للشاعر. أنا لا أنكر أن كل شاعر يسف ويحلق ولكن ليس بهذه الكثرة في الإسفاف. ولعل هذا راجع إلى أن الأستاذ العوضي سريع في نظمه كل السرعة، وسرعته هذه لا تعطيه الفرصة الكافية لكي يعرض القصيدة على ذوقه الأدبي مجرداً من كل عاطفة، فهو ينظم القصيدة ثم ينظر إليها نظرة المعجب المزهو لا المنتقد المفند، والوضع الصحيح أن ينتقد هو ليعجب به غيره. لعله يستمع لهذا الكلام في هدوء وطمأنينة فيحاول أن يتدارك