ليس يعنينا من حياة الشاعر في عهد موسى الهادي إلا ما أظهره الأول من قصر النظر ونكران الجميل، فقد كان الشاعر أثناء حكم المهدي صنيعة من صنائع هارون الرشيد، وكان ذلك بالطبع بغضب الهادي للمنافسة التي كانت بين الأخوين. وم يكد الأخير يلي الحكم حتى أقبل عليه الشاعر إقبال المنقطع إليه، وأعرض عن هارون بل آذاه إيذاء مريراً لا ضرورة إليه ولا مبرر له. . انظر إليه كيف يعرض بهارون في أبيات قالها مهنئاً الهادي بمولود:
أكثر موسى غيظ حساده ... وزين الأرض بأولاده
وجاءنا من صلبه سيد ... أصيد في تقطيع أجداده
كأنني بعد قليل به ... بين مواليه وقواده
في محفل تخفق راياته ... قد طبق الأرض بأجناده
من ذلك الحاسد الذي أكثر موسى غيظه؟ أليس ذلك الحاسد هو الرشيد؟ إننا لا نشك في أن ذلك هو مراد الشاعر؛ إذ أن نزاعاً مريراً كان قائماً إذ ذاك بين الرشيد والهادي بسبب محاولة الأخير تولية ابنه جعفر العهد بدلا من هارون ولي العهد الشرعي.
فليس عجيباً والحال كذلك أن يبادر الرشيد بإرسال أبي العتاهية إلى السجن عقب تولية الخلافة عقاباً له على ما أظهره من نسيان للجميل وخروج على مقتضيات اللياقة. بل العجيب حقا أن يذكر صاحب الأغاني أن الرشيد إنما أرسل الشاعر إلى السجن لامتناع الأخير عن إنشاد شيء من الشعر له، وما امتنع فيما يرويه الأغاني إلا حفظاً لعهد الهادي وضنا بشعره أن ينشد لأحد من بعده، وكيف يصبر الرشيد على هذا العبث، بل كيف ينسى للشاعر تعريضه به في شعره وهو الذي قتل أبا عصمة رئيس حرس جعفر بن الهادي لقوله له يوماً وقد قابل جعفر على أحد جسور بغداد: - (انتظر حتى يمر ولي العهد).
ومهما يكن من أسباب تلك الجفوة القصيرة فقد عادت الحال بين الرشيد والشاعر إلى ما كانت عليه من قبل، ونسي الخليفة أو تناسى ما كان من سوء أدب الشاعر وقلة وفائه.