وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد، فأني أشكر لأخي حُسن ظنِّه بي في بعض كلامه، ومسارعته في الرد على كلمتي التي نشرتها الرسالة (العدد ١٦٧). هذا على أنه ليس يجمُلُ بالأستاذ أن يحمّل نفسه تكاليف الرد على مثلي، فأن الذي بيننا من التخالُفِ في الطبيعة، والتباين في الجِبّلة ليقوم في هذا الأمر مقامَ الرد. وأيضاً، فليس مما يحسُنُ به أن يبسط عذره للقراء عن تأخر الرد بجولته في قرى (البقاع)، وأن قراءته للذي أتيت به من الكلام كانت بعد عشرة أيام من صدوره. وليعلم الأستاذ الجليل أني أحب أن يحملني على طبيعتي، وأن يتقبلني على علتي، وأن يعرفني رجلاً شيمته العجزُ ودأبهُ التخلُّف، فلا قبل له بمثل قدرة الأستاذ وقوته على مد الشوط؛ هذا على ما ركِّب في أصل خلقتي من الحدة والثورة وضيق الصدر. وليس أدلّ على ما بيننا من تباين الجبلة - من الذي استيقنه الأستاذ وأثبته فيَّ من التخلُّفِ والعجز، والذي رأيته فيه من القدرة والمسارعة، فهو لم يضق ذرعاً بكل الذي كتبناه، ولا تخلّف في رد كلامنا وإسقاطه بالحجة والبيان والبرهان، في أوجز لفظ، وأوزن فكر، وأدق فهم. . . ثم في أقل وقت. وأنا - على نقيضه، فأنا كما وصفني الأستاذ حين يقول. (أما أنا فما كنت أظنُّ!! أسطراً تذكر عرضاً في رد فكرة تثير (مثل هذا) الفاضل، فيحمل هماً بجد وقره وعنته اثنين وأربعين يوماً، ثم ينفثه في رده الذي تكرم به على مثل هذا الشكل)، ولا أدري لم لا يظنُّ الأستاذ ذلك؟ ألا فليعلم أخي سعيد أن اثنين وأربعين يوماً ليس كثير دهر على عاجزٍ وجل هيَّابٍ متخلِّف، وأن كلمته الصغيرة - التي أثارتني فحملت همها أجد وقره وعنته اثنين وأربعين يوماً - كانت مما يقتضيني عامين على الأقلِّ في تقليبها وفهمها ودراستها أواصل ليلهما بالنهار، ثم في الاستعداد للردّ، ثم في جمع شتات الذهن، ثم في نفض الذهول عن العقل والفكر، ثم في كتابة ما يُسوِّل لي قليل علمي وتحريره والنظر في صدوره وأعقابه.
وبعدُ أيضاً، فأن أخي سعيد قد رماني بقارصاتٍ، وهو الذي يقول عن كلمتي في الرسالة: (وصحف الرسالة أحوجُ إلى أن تملأ بالحقائق والبرهان منها إلى الدعوى والانتقاض؛