ولم يصل الاشتغال ببقية العلوم الإسلامية بالقرويين إلى درجة الاشتغال بالفقه ولكنه لم يقصر عنها كثيراً؛ فكانت علوم الحديث والتفسير والأصول مما لم ينقطع تدريسه في الكلية في أي عصر حتى العصور المتأخرة. حين كان بعض هذه العلوم في بلاد أخرى لا يقرأ إلا للتبرك بسرده. وكانت هذه الدراسة مجال البحث والاستنتاج وفرصة المحاضرات القيمة في التربية والتهذيب، وحسبك أن تقرأ وصف مجلس من مجالس العلامة أبي القاسم العبدوسي الذي قضى التونسيون العجب منه في ذلك الوقت وأن تعلم أن ابن الصباغ أحد رجال هذه الجامعة أملى علي حديث: يا أبا عمير ما فعل النفير ٤٠٠ فائدة
ومن ثبت أسماء النابهين في هذه العلوم وأسماء مؤلفاتهم تدرك مبلغ القيام الذي كان لأهل القرويين عليها. ونحن نذكر بعض البعض ممن نعرفهم ونعرف انقطاعهم في الكلية الذي تنقطع دونه الأطماع، ولا يمنعنا من التبسط في شرح ذلك إلا إرادة الإيجاز وخوف الإملال وهؤلاء مثل العالم الصوفي الجامع علي ابن حرزهم المتوفى سنة ٥٥٠ والمتكلم أبي بكر السلالجي صاحب البرهانية في علوم الاعتقاد، كان يعد في طبقة أبي المعالي الجويني؛ توفى سنة ٥٦٤، والمفسر المحدث ابن عبد الجليل القصري المتوفى سنة ٦١٥، والمفسر الأصولي أبي عبد الله المزدغي المتوفى سنة ٦٥٥ والمحدث الرواية ابن رشيد السبتي المتوفى سنة ٦٩٢، والعالم الصوفي الجامع الشيخ زروق المتوفى سنة ٨٩٩، والحافظ أحمد بن يوسف الفاسي المتوفى سنة ١٠٢١، والحافظ أبي العلاء العراقي المتوفى سنة ١١٨٣ والمفسر المتكلم الشيخ الطيب ابن كيران المتوفى سنة ١٢٢٧
ولا ننس أن ننبه إلى ما كان لعلوم القراآت من شأن كبير في الكلية فقد كانت العناية بها شديدة في كل عصر، وكان يتخصص فيها كثير من العلماء فضلا عن مشاركة جمهورهم فيها، لأن أوائلها كانت تتلقى في الكتاتيب القرآنية التي ما كان يتولاها إلا كبار الأساتذة المتحققين بتلك العلوم وغيرها. تأتي هي الثانية بعد الفقه في برنامج العلوم التي كانت تدرس في القرويين وفي جميع المغرب. ويكفيك أنه كان لطلبتها مدرسة خاصة بهم هي