للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[النظرية العامة للالتزامات في الشريعة الإسلامية]

للدكتور شفيق شحاته

- ٢ -

٢ - الطريقة التاريخية

أما عن منشأ التشريع الإسلامي، فإنا نرى الإعراض عن البحوث التي حاول بها العلماء تأييد رأي دون آخر. أما حججنا فسنتلمسها من دراستنا الموضوعية نفسها، ذلك أنه من العبث الاستناد إلى التشابه بين بعض الأفكار للقول باتحاد المصدر أو بالاستمداد. فإن أهمية هذا التشابه لا يصلح تقديرها إلا إذا وضعت الأفكار في الجسم الذي انتزعت منه.

لذلك لن يوجد أبداً دليل أقطع على التشابه أو عدمه من استعراض نظرية الالتزامات في التشريع الإسلامي بعد بناء هيكلها. فعندئذ فقط سيظهر لنا إن كانت ثمة استعارات ومن أين أتت، وما هي؛ وإن لم تكن، فكيف كان التشريع متماسك الأطراف ظاهر الإبداع.

ونلاحظ هنا فقط فشل المحاولات التي ظهرت قديماً وحديثاً لإثبات استمداد التشريع الإسلامي من القانون الروماني. أما محاولة (كاروزي) فقد هدمها المستشرق (ناللينو). وحديثاً ظهرت رمالة في الشفعة (طبعت في ميلانو سنة ١٩٣٣) رمى بها مؤلفها إلى إثبات هذا الاستمداد. على أن استنتاجاته لم تقنع أحداً كما يظهر من تعليق الأستاذ (روسييه) على هذا الكتاب في (مجلة تاريخ القانون ص ٣٢٣ لسنة ١٩٣٤).

على أنه ليس بين أيدينا في الواقع من الآثار القانونية شيء يرجع إلى ما قبل العصر العباسي. أما عن الجاهلية فإن هناك بعض الإشارات البعيدة مبعثرة في آثار متأخرة عن هذا العهد؛ وكذلك يقال عن عصر الخلفاء الراشدين والخلفاء الأمويين، فإن جل ما نجد هو بعض الحلول لمسائل عرضت على بعض الحكام ولكن لا يظهر أنه في مدى هذه العصور الطوال قد كانت هناك مجموعة من القواعد أوحت بهذه الحلول الطفيفة.

ويبدو لنا أن التشريع في هذا العهد لم يكن شيئاً آخر سوى العادات المحلية السائدة سواء في جزيرة العرب أو في الأقطار المفتوحة، وإن ما ورد من الأحكام يعبر تماماً عن هذه العادات مع اتجاه خاص أملاه الدين الجديد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>