كتب الدكتور (زكي مبارك) بحثاً قيماً في حديث عيسى بن هشام شرح فيه كثيراً من الحقائق التي تهم كل مطلع على هذا الكتاب، وكشف عن كثير من النواحي التي تهدي الطلاب إلى الصواب، وتأخذهم بأيديهم إلى طرق البحث المجدي والاطلاع المفيد؛ ولكن الدكتور لم يرد ببحثه الاستيعاب والاستقصاء وذلك ليترك للطالب مجالا للتفكير والتنقيب
هذا ما رآه الدكتور وهو رأي فيه صواب وفيه حكمة؛ ولكن الطالب في كثير من الأحيان يحتاج إلى شيء من البسط والإيضاح؛ ولهذا رأيت أن أكتب هذه الكلمة الموجزة تتميماً للفائدة في أسلوب الكتاب ومنزلته القصصية
١ - المنزلة القصصية للكتاب
حديث عيسى بن هشام تصوير رائع للمجتمع المصري في فترة من الزمن، وعرض شائق للحياة المصرية وما فيها من أخلاق وعادات وأنظمة في أسلوب قصصي جميل
ولا يشك أحد في أن هذا الكتاب يعتبر بداية طيبة للقصة المصرية وفتحاً جديداً للون جديد من الأدب في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ذلك لأن القصة المصرية منذ بداية العصر الحديث كانت مقصورة على المقامة والقصص العامية، وما خرج منها عن هذه الدائرة كان منقولا عن اللغات الأجنبية لا يمثل الحياة المصرية في قليل ولا كثير - ولقد كان إخواننا السوريون أسبق إلى النقل والتأليف في هذا الفن؛ فاهتموا به منذ منتصف القرن التاسع عشر ونقلوا كثيراً من القصص التي لا تمثل الحياة الشرقية، ثم ألفوا بعضاً منها يمثل الحياة العربية (كالمروءة والوفاء) للشيخ خليل اليازجي
ونحن حين نقول إن حديث عيسى بن هشام كان بداية طيبة للقصة لا ندعي أنه استوفى شروطها وأنه سلم من الأخطاء الفنية التي تخرج الكتاب عن الروح القصصي، فالقارئ يلحظ التقصير في كثير من المواقف التي عالجها الكتاب، ويحس أن المويلحي كان سارداً لمظاهر الحياة المصرية لا كاتباً قصصياً. ويكفي للبرهان على هذا الرأي أن يرجع القارئ إلى المجالس التي شهدها عيسى بن هشام مع الباشا، فهما يحضران مجلس التاجر وغيره بعد الاستئذان ويسمعان كل ما يقال، ثم يخرجان دون أن يشعر بهما أحد ودون أن يشتركا