إسكندر يثبت عرشه وسلطانه وهيبته وكبرياءه في مقدونية واليونان، ثم يتوجه تلقاء آسيا.
الفريقان من اليونان والفرس يلتقيان على نهر (كرانيكوس) الصغير عام أربع وثلاثين وثلاثمائة، فيتاح لإسكندر أول فتح في آسيا، وتخضع له المدائن حتى سرديس، فقد دانت له آسيا الصغرى كلها.
ثم يتقدم صوب الجنوب، فيجتاز طوروس ويسير تلقاء الشام. وإذا جيش دارا، الجيش اللهام الذي لا يغلب من قلة رابض في طريقه. وفي سهل إسوس الضيق بين الجبال والبحر تزدحم مئات الألوف في المعترك، ويسقط في البحار مائة ألف من الفرس، ويفر دارا وينهب معسكره، وتؤسر أمه وزوجه وابنتاه. . فانظر إسكندر قد قهر (الملك الأعظم) ملك الفرس الذين طالما فخر اليونان بأنهم احتملوا صدمتهم، وردوهم عن بلادهم!!
يتقدم الفاتح العظيم فيقهر مدن الشام، وتقاومه صور وتتحدى جبروته وسلطانه، ثم تخر أمامه بعد حصار سبعة اشهر، فيقتل منهم ثمانية آلاف، ويؤسر ثلاثون ألفا فيباعون عبيدا، ويصلب على القلاع ألفان عبرة ونكالا! ذلكم إسكندر الفاتح العظيم، وذلكم جزاء من يقف في سبيله!
ويفتح إسكندر مصر عام اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، ويرفع نسبه إلى أمون. ثم يجمع جنده ويسير إلى العدو الأكبر الملك الأعظم. يجتاز الفرات ودجلة إلى حيث يعسكر دارا. وهنالك على مقربة من أطلال نينوى العظيمة التي تندب مجد آشور الغابر، وعلى سبعين ميلا إلى الشمال والغرب من مدينة أربيل، ليس بعيدا من ملتقى عبد الله بن علي العباسي، ومروان بن محمد خاتمة الخلفاء الأمويين، حيث سقطت دولة وقامت دولة! هنالك تراءى الجمعان، وعسكر إسكندر تجاه دارا، ويشير (برمينيو) على الفاتح المقدوني أن يهاجم عدوه ليلا، فيأبى مجد إسكندر وكبرياؤه، فيقول له:(أنا لا أسرق النصر). ثم يلتقي الجمعان، وتدور الدائرة على دارا وجنوده، فيفر صوب المشرق. أرأيت بابل العظيمة مدينة السحر والعلم؟ ها هي تفتح أبوابها لإسكندر ويباركه كهنتها. ويطوي الملك الشاب المراحل إلى سوس وأصطخر حاضرتي الفرس، لا يصمد لمدينة إلا فتحها، ولا يعمد لجيش إلا مزقه.