وفي يوم الثلاثاء رابع عشر ذي الحجة خرجنا إلى حديقة الدير فدخلنا ساحة ذات أشجار اتخذت مباءة لغنم الدير، رأينا فيها عدة من الضأن والمعز معها سخالها، ورأينا في جانب الحديقة ناقة معها فصيلها، وهي لحمل ما يجلب إلى الدير. هناك بئر واسعة قريبة الماء
ثم دخلنا إلى ساحة صغيرة فيها قبور قليلة هي مزرعة الموتى؛ فأما حصاد هذه المزرعة ففي حجرة واسعة متصلة بهذه المقبرة. في هذه الحجرة أكداس من الجماجم والعظام قد رتبت وصنفت، فالجماجم على حدة، وعظام الأذرع على حدة، وعظام الأرجل على حدة، لم تختلط كما توجس أبو العلاء المعري في قوله:
لا يغيّركم الصعيد وكونوا ... فيه مثل السيوف في الأغماد
ذلكم لأن موتى الدير يدفنون في المقبرة الصغيرة ثم تستخرج العظام بعد حين فتجمع في مكانها وتخلى الأرض لمن يفد إليها من وفود الموتى المتتابعة على مر العصور
ربِّ لحد قد صار لحداً مراراً ... ضاحك من تزاحم الأضداد
ودفين علي بقايا دفين ... في قديم الأزمان والآباد
ثم خرجنا من دار الفناء والعبر فدخلنا إلى حديقة واسعة فيها أنواع من البقول وضروب من السرو وأشجار الفاكهة، تسقى من آبار فيها، ومما يجلب إليها من آبار داخل الدير
وحديقة الدير مرأى جميل في حضيض الجبال الشاهقة المشرفة عليها
إلى جبل موسى
الجبل العظيم المطل على الدير من الجنوب يسمى جبل موسى ويقال: إنه الجبل الذي تلقى فيه موسى عليه السلام الألواح.
تواعدنا الخروج إلى الجبل بعد الظهر، فسار الرفاق يدلهم أحد الرهبان، فخرجوا من باب صغير في حديقة الدير إلى الجبل ليصعدوا زهاء ثلاثة آلاف درجة منحوتة في الحجر أو مرصوفة، وللجبل طريق أخرى على مقربة من الدير تصعد على السفح متعرجة إلى ثلثي الجبل، ويستطيع الجمل أن يصعد فيها. وقد آثرت أنا هذه الطريق، فركبت جملاً، وسار