أعني كل موضع درس، من المدارس الابتدائية والمدارس الثانوية والمدارس العالية ومنها الجامعات، فلنتوجه إليها لعلنا نجد هدى بعد حيرة، واطمئناناً بعد قلق. ولعلنا نجد صلاحاً لأمورنا، وطباً لأدوائنا، وتأليفاً لنفرتنا، وجمعاً لشملنا:
كان من عناية الأمم والحكومات بالتعليم والتربية أن أنشئت هذه الأنواع من المدارس وعم نظامها؛ وقد سرنا على نهج الأوربيين في أنواعها، وموضوعات دروسها، ومناهجها، إلا قليلا. وكثرت هذه المدارس وشاعت في المدن والقرى ولا تزال تكثر وتشيع.
وزالت، أو كادت تزول، ضروب الدراسة القديمة؛ سواء ما كان لتعليم الصبيان مثل الكتاتيب أو دور الكتَّاب، وما كان لتعليم الكبار كالمدارس التي كانت في القاهرة والإسكندرية وأسيوط وقوص وغيرها، ومدارس العلماء الخاصة في بيوتهم أو مساجدهم. وتم قيام الحكومة على التعليم وإشرافها عليه، واضطلاعها بأعبائه، وانفرادها بتدبيره.
غفلنا في فتنة المدارس والشهادات عن ضروب من الدراسة للمبتدئين والمنتهين كان يضطلع بها ناس في القرى والمدن ابتغاء خير الناس أنفسهم. ولو عنينا بهم، وحمدنا فعلهم، وأثبناهم عليه، وحفزناهم إليه، لمضوا يحملون عن الحكومة بعض العبء، ويسدون بعض الحاجة. ولكنا أغفلنا أمرهم، وهجرهم الناس إلى المدارس الجديدة فحملت الحكومة العبء باهظاً، واحتملت الأمانة وحدها.
وقد سرنا سيراً، وتقدمنا تقدماً، وأصبنا مغانم كثيرة. فازداد إقبال الناس على المدارس، وعظمت عناية الحكومة بها، واستجابت لرغبات الراغبين في دخولها والحصول على شهاداتها فنيل وظائفها. فكثرت المدارس ثم كثرت، وازدحمت بالمدرسين ثم ازدحمت.
وغلونا في الاعتداد بالتعليم المدرسي غلواً دفعنا إلى الإسراع فيه قبل الإعداد له، وإلى الازدحام على المدارس بأكثر مما تسع.