في المقبرة فوق أكمة نضرة مخضرة صليب جديد مصنوع من خشب البلوط، قوي ثقيل، ثابت راسخ، ناعم الملمس، بهيج المنظر. وكان الشهر أبريل ولكن الأيام غائمة كالحة. فكنت ترى من مراحل شاسعة خلال الأشجار الجرداء شواهد الأجداث قائمة في المقبرة - مقبرة رحبة ريفية أو اكبر من الريفية بعض الشيء - والريح الباردة القاصفة تصفر صفيراً مخيفاً كلما مرت من تجاويف الإكليل المصنوع من الخزف الصيني عند قاعدة الصليب. وفي الصليب نفسه ركب إطار مستدير من النحاس الأصفر. وفي الإطار صورة لفتاة حسناء فاتنة من طالبات المدارس، مهندمة الملبس، لها عينان فرحتان براقتان تنمان على الحياة والغضارة
هذه الصورة هي صورة (أولجا مسجرسكي)
لما كانت بنتاً صغيرة لم يكن لها ما يميزها في ذلك الجمع الصاخب من ذوي الأثواب السمراء الذين كان لغطهم المتنافر يدوي في ابهاء المدرسة وصفوفها. وكل ما كان يستطيع الإنسان ان يقوله عنها هو أنها ليست إلا واحدة من هؤلاء الفتيات الكثيرات الجميلات السعيدات، وإنها ذكية، لكنها لعوب كثيرة الحركة، لا تصغي لما يلقيه عليها العلم في الصف من دروس. ثم صارت إلى النمو، وأخذت تتفتح أكمامها لا بالأيام بل بالساعات. وفي سن الرابعة عشرة، وقد أصبح لها خصر أهيف، وساقان جميلتان متسقتان، برز نهداها ولاحت عليها تلك الرسوم والملامح الدالة على النضوج، ولم تستطع لغة البشر بعدُ أن تصف فتنتها وسحرها. وفي سن الخامسة عشرة قيل عنها إنها حسناء. . . وكم كان أترابها ورفيقاتها في المدرسة شديدات العناية بتنظيم شعورهن، وكم كن نظيفات محترسات في حركاتهن! ولكنها ما كانت لتخشى شيئاً فهي دائماً نظيفة الثياب حسنة الهندام، متوردة الوجه من غير قصد فمنها ولا عناء من جانبها، اجتمع لها في سنتيها الأخيرتين كل ما