٣ - كان الحاج جبرائيل من أهل قرية (جرقط) صانعاً ماهراً يجيد صنع كل ما تقع عينه عليه، وفي ذات يوم من الأيام قصد إلى ساحل البحر الأسود، وركب إحدى البواخر وتوجه إلى الحجاز، وأدى فريضة الحج، ثم رجع إلى مصر وأقام بها فترة رجع بعدها إلى القسطنطينية ومنها إلى بلاده الأصلية في الداغستان حيث كان الشيخ شامل فاتصل به وعرض عليه خبرته ومهارته الصناعية، واقترح أن يقوم بصب المدافع وصنعها محلياً، ومقاتلة الروسيين بنوع أسلحتهم، وأظهر شامل - رحمه الله - خوفه من الفشل في هذا المشروع، وعارض فيه بادئ ذي بدء؛ ولكنه - تحت تأثير الإلحاح والإغراء - قبل المعاونة والمساعدة ورضى بالمساهمة في هذا المشروع، وقدم كل عون ممكن لهذا الصانع الماهر الوطني المخلص، وقام الحاج جبرائيل بأول محاولة لصنع المدافع، فجمع بقايا المدافع المحطمة التي تركها الروسيون في بعض المعارك السابقة، وأذابها، ثم صب منها مدفعاً جديداً، ولكن هذا المدفع لم يقو على تحمل أول تجربة أجريت له، فتحطم بعد قذف القنبلة الأولى منه، وكان في هذا الفشل الحافز الذي حفز شاملا وإخوانه والحاج جبرائيل ومهارته، وأعيدت المحاولة، ونجحت، ومن يومئذ أصبح في إمكان الشيخ شامل وجنوده الاعتماد على قوة المدفعية ومقابلة الروسيين بنفس سلاحهم الذي يقاتلونهم به.
وكان لصنع المدافع في بلاد الداغستان ونجاحها، واستعمالها في المعارك التي وقعت بعد ذلك أثر كبير سواء في تقوية الروح المعنوية بين المجاهدين المسلمين أو في إيقاع الخوف والرعب في قلوب أعدائهم من الروسيين، وأهل البلاد الضالعين مع الروسيين، وكان ذلك حوالي سنة ١٢٥٩هـ وسنة ١٨٤٣م.
٤ - كان الشيخ شامل - من يوم صنع المدافع في داغستان واستعمالها في الحروب - يسير من نصر إلى نصر، وذاعت شهرته، وقويت شوكته، وهابه خصومه بعد أن أوقع بهم في عدة معارك فاصلة، كان لها وقع عظيم في نفوس الفريقين المتحاربين، ولجأت القوات الروسية إلى قلاعها وحصونها.