كلما سمعت أو قرأت - بمناسبة حوادث سوريا الأخيرة - أن هذه الحوادث مخالفة لتقاليد فرنسا، ثار في نفسي شعور السخرية المريرة من هؤلاء المتحدثين أو الكاتبين. . .
تقاليد فرنسا!
ومتى كانت تقاليد فرنسا إلا هذه البربرية المتوحشة؟ ومتى كان الفرنسيون إلا عشاق في المجازر البشرية، المولعين بالدماء في كل زمان ومكان؟ حتى في ثورتهم الكبرى التي يعيشون باسمها حتى الآن.
تقاليد فرنسا!
تقاليدها في سورية، أو في مراكش، أم في تونس، أم في الجزائر، أم في أية بقعة من بقاع الأرض على مدى الأزمان والأجيال؟
إنني لأستعرض أمامي تاريخ فرنسا في الشرق، فلا أجد إلا صفحات من البربرية المتوحشة، وإلا بركاً من الدماء حيثما وضعت أقدامها في مكان، وإلا وسيلة من وسائل التدمير والتخريب.
في أيام نابليون سلطت المدافع من قلعة الجبل على المصريين، ودخلت الجنود الفرنسية المتبربرة بخيولها الأزهر، وجرت الدماء في شوارع القاهرة، وديست كرامة الدين، وانتهكت الحرمات العامة. . . باسم تقاليد فرنسا!
وفي سنة ١٩٠٥ ضربت دمشق بالقنابل، وأريقت الدماء في الشوارع، واعتدت الجنود الفرنسية المتبربرة على الآمنين. وضج الشرق العربي بالمأساة، بينما كانت الصحافة الفرنسية تمجد أعمال الوحشية في سورية. . . باسم تقاليد فرنسا!
وفي سنة ١٩٢١ وما بعدها وما قبلها أيضاً سالت الدماء في مراكش العربية لإرغام الناس هناك على الدخول في المسيحية وترك ديانتهم الإسلامية، باسم (الظهير البربري) المعروف جيداً في كل صقع إسلامي، والذي يشهد بأن دماء الصليبين لا تزال تجري في عروق الفرنسيين. ومنذ لك الحين بل قبله والزعماء المراكشيون منفيون في المستنقعات الحارة، وبلغ من الوحشية المتبربرة أن تشغل هؤلاء الزعماء السياسيين في رصف الأرض وقطع