منذ عامين كشفت المباحث الأثرية في وادي اللوار بفرنسا على مقربة من مدينة تور، عن عظام بشرية، وسيوف ودروع قيل إنها عربية؛ ورأى فريق من الباحثين الأثريين أن هذه الآثار هي على الأرجح من مخلفات الموقعة العظيمة التي نشبت بين العرب والفرنج في سهول نهر اللوار منذ ألف ومائتي عام (٧٣٢م)، وارتد فيها العرب أمام جيوش كارل مارتل زعيم الفرنج بعد أن قتل قائدهم عبد الرحمن الغافقي، وأن اكتشافها يلقي ضياء جديداً على حقيقة المكان الذي نشبت فيه الموقعة، والذي مازال مثار خلاف بين المؤرخين.
وتلك الموقعة الشهيرة هي التي تسميها الرواية الإسلامية بموقعة بلاط الشهداء أو موقعة البلاط، لكثرة من استشهد فيها من عظماء المسلمين وقادتهم، وتعرف في الرواية الفرنجية بموقعة تور أوبواتييه لأنها وقعت في السهول التي تمتدد بينهما؛ وتضع الرواية الإسلامية تاريخها في رمضان سنة ١١٤ من الهجرة، متفقة بذلك مع الرواية النصرانية التي تضع تاريخها في أكتوبر سنة ٧٣٢م. وقد كانت هاتيك السهول التي تمتد بين تور وبواتييه وتشرف على ضفاف اللوار هي أقصى ما بلغه العرب في فتوحاتهم في قلب فرنسا؛ وقد عبر العرب جبال البرنيه لأول مرة عقب افتتاحهم لأسبانيا، وغزوا سبتمانيا (أو لانجدوك) سنة ٩٤هـ (٧١٣م) واستولوا على مدينة قرقشونة وثغر أربونة؛ ثم توالى عبورهم بعد ذلك لجبال البرنيه وتوالت غزواتهم في غالة أو غاليس (جنوب فرنسا)، في سبتمانيا وفي أكوتين، ثم في وادي الرون شمالاً حتى بورجونيه؛ وأنشأوا من فتوحاتهم في غاليس ولاية سميت بالثغر أو الرباط وعاصمتها أربونة؛ ولما ارتدوا أمام الفرنج في بلاط الشهداء، احتفظوا مدى حين بفتوحاتهم في غاليس؛ واستمر لظى الحرب يضطرم بينهم وبين الفرنج في تلك الأنحاء مدى ربع قرن، والفرنج يستردون مدنهم وأراضيهم تباعاً من أيدي الغزاة، حتى انتهوا أخيراً بالاستيلاء على أربونة آخر معقل إسلامي في غاليس سنة ٧٥٩م.
وكان ذلك خاتمة الفتوحات الإسلامية المستقرة في فرنسا، ولكنه لم يكن خاتمة الغزوات الإسلامية أو خاتمة النفوذ الإسلامي في تلك الأنحاء. ذلك أن المسلمين عادوا فنفذوا إلى