تقترب القاهرة المعزية من عيدها الألفي دون أنن يثير ذلك في دوائرنا الرسمية أو الأدبية كبير صدى؛ ومن الغريب أن بعض الأجانب الوافدين الذين يكتبون عن بلادنا الفصول والملاحظات الطائرة لم يفتهم أن ينوهوا فيما يكتبونه عن القاهرة بأنها مدينة ألفية، وأنها موطن الجامعة الألفية الوحيدة في العالم؛ ذلك أن هذه الحقيقة التاريخية تشير حقاً أعظم اهتمام من كل أولئك الذين يضطرمون إعجاباً بعظمة التراث الحافل، ويحنون رؤوسهم إجلالاً لروعة التاريخ
وإذا كانت القاهرة ليست هي المدينة الألفية الوحيدة بين حواضر العالم القديم، وإذا كانت أثينة ورومة والإسكندرية وقسطنطينية تشاطرها هذا الفخر وتفوقها في مداه، بل تشاطرها هذا الفخر حواضر إسلامية أخرى مثل بيت المقدس، ودمشق، وبغداد، فإنها مع ذلك تمتاز على هذه الحواضر جميعاً بأنها تمثل أروع عصور التاريخ جنباً إلى جنب؛ فالآثار الفرعونية الباهرة التي تغيض فيما وراء القرون تشرف عليها مجللة بروعة الخلود، وآثار العصور الإسلامية المختلفة تنبث في جنباتها وتسبغ عليها لوناً إسلامياً عميقاً وتزينها بكل ما ازدانت به هذه العصور المجيدة من فن وروعة وبذخ؛ ثم إن بشائر العصر الحديث وإمارات الحضر الناضج، وكل ألوان الحضارة المعاصرة بما فيها من تطور وتجديد وابتكار، تطبعها بطابعها القوي، فهي من هذه الناحية من أجمل واحدث العواصم القديمة، بل هي تفوق من هذه الناحية عواصم العالم القديم: رومة وأثينة وقسطنطينية، ومع ذلك فإن هذا التجدد السريع لم يجردها من جلالها القديم، ولم يخلع عنها تلك الروعة التي يسبغها تعاقب الأحقاب على الحواضر التالدة
وفي وسع القاهرة أن تتيه على عواصم العالم القديم كلها بتراثها الأثري والفني الباهر؛ ذلك أنها فضلاً عما يحتويه متحفها الفرعوني الشهير من الكنوز الرائعة التي لا تضارعها أية