للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الأدب الياباني]

للأستاذ أحمد الشنتناوي

كانت اليابان إلى عهد قريب محجوبة عن أنظار العالم المتمدين بحجب كثيفة لا يكاد المرء يتبين ما يجري وراءها بين أبناء تلك الأمة العظيمة من عادات وتقاليد، وكان الأدب الياباني بنوع خاص من أغمض مظاهر الحضارة اليابانية أمام الباحث، ويرجع ذلك إلى صعوبة اللغة اليابانية وغرابة أحرفها الهجائية وعدم إقبال الأدباء والعلماء على تعلمها، مع أن الآداب اليابانية غنية في مادتها متنوعة في أبوابها، وتعد بحق بين الآداب العالمية الرائعة.

وليس هناك أمة من الأمم تكون آدابها جزءا هاما من تاريخها مثل أمة اليابان، فأفراد الشعب هناك على اختلاف طبقاتهم يستسيغون الشعر ويطربون لموسيقاه، بل هم شعراء بسليقتهم لا فرق في ذلك بين النساء والرجال؛ فالأمة كلها تشترك في مهرجان الشعر الذي يقيمه الإمبراطور كل عام، فيأخذ كل ياباني في إنشاد أطيب ما جادت به قريحته، ويذكرون أن الإمبراطور (ميدي) وهو جد ميكادو إمبراطور اليابان الحالي كان يشجع هذه المهرجانات الشعرية، فيخصص الجوائز الثمينة للفائزين، وقد ألف هو نحو مائة ألف مقطوعة شعرية.

أما شغف الياباني بباقي فروع الأدب فلا يقل عن شغفه بالشعر، لهذا كانت الآداب اليابانية غنية في مادتها رائعة في أسلوبها إنسانية في معانيها، ولكن تلك الآداب العالية لم تتخط حدود اليابان الجغرافية لصعوبة اللغة التي كتبت بها، ثم زاد من صعوبة تلك اللغة دقة المعاني وعمق الأفكار التي حملها إياها اليابانيون، والتي لا تصدر الا من أبناء الشرق الصميمين في مدنيتهم الشرقية، ويكفي أن نقول أن كلمة (امرأة) لها في اللغة اليابانية ما يزيد على أربعة وعشرين لفظا مرادفا، كل لفظ يستعمل في حالة معينة وظروف خاصة حسب مكانة المرأة المخاطبة الاجتماعية أو الشخصية، أو درجة الاتصال بها. كذلك لفظة (أنت) لها ما يقرب من اثنى عشر مرادفا؛ وهذا التعدد في الألفاظ يدلنا على مقدار الدقة التي يتوخاها الياباني في تعبيراته الاجتماعية والأدبية، وليس هذا في نظرنا دليلا على رقي اللغة أو غناها فقط، إنما يدل كذلك على الشعور الدقيق والحساسية الراقية، والآداب

<<  <  ج:
ص:  >  >>