للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ذكرى المولد النبي]

من مشاهد عكاظ المؤثرة

للأستاذ سعيد الأفغاني

استيقظت مكة ذات صباح، بعد عام الفيل بأربعين، على جرس حلو ساحر، يرسله محمد الأمين داعياً قومه إلى الله وحده، وأن ينبذوا ما هم فيه من عبادة أصنام ووأد بنات وقتل أولاد، وأن يقبلوا على ما يشبع فيهم المحبة والسعادة ويوطد لهم المجد والعزة في العالمين.

استمع مشركو مكة إلى هذا الرجل الذي كان حبيباً إلى قلوبهم، عظيم المنزلة في صدورهم، مضرب المثل بينهم في علو الخلق وطهارة السيرة وصفاء السريرة، فنظر بعض إلى بعض مكبرين ما أتي به ابن عبد المطلب سيد فتيان هاشم ورجل مكة المنتظر.

ونزت في تلك الرءوس حمية جاهلية استعصى قيادها على البيان الساحر والعقل الوافر والحرص المخلص، فعظم عليها أن تترك ما ألفت، وتألبت قوى أهل مكة جيوشاً متضافرة تكيد لهذا الداعي إلى الخير ولأولئك القانتين المخبتين من الضعفاء والنساء والصبيان، الذين ملكت عليهم الدعوة الجديدة شعورهم وتغلغل صوت الإله في أعماق نفوسهم فصفاها وأخلصها، ليكون منها الهدف الأول الذي يصمد في سبيل العقيدة الحق للأذى والتشريد والتجويع والتعذيب بصبر عجيب وإيمان صليب واغتباط متزايد، كأنما يجدون في هذه الآلام نعيماً ولذائذ. فكانت مصابرتهم وثباتهم خير ما ضمن نجاح الدعوة وتقاطر الناس عليها فيما بعد.

إلا أن الأذية عظمت، وأنى المشركون إلا إصراراً واستكباراً وصداً عن سبيل الله من آمن به، وكادت تتسرب شوائب من يأس إلى بعض تلك النفوس العظيمة، لولا بارقة أمل لاحت لهم في قصد قبائل العرب بالمواسم في عكاظ ومجنة وذي المجاز.

وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه بثلاث سنين في عكاظ، يدعو الناس إلى الخير والهدى والسعادة. وقد لزمه منذ قيامه بالدعوة حزن عميق على قومه الذين كفروا بنعمة الله، وآلمه ألا يراهم مسارعين إلى ما به صلاحهم، فعزم ليقصدن المواسم وليأتين فيها القبائل، كل قبيلة بمنزلها، وكل جماعة في حيهم، يعرض عليهم هذا الدين الجديد. ولقد حرص الحرص كله على أن يهتدوا، وكان أسفه يشتد كلما ألح قومه بالصد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>