١ - قرأت للمرة الأولى كتاب التصوف وفريد الدين العطار للدكتور عبد الوهاب عزام بك مع نقده في مجلة الكتاب الغراء، وقد طلب الناقد الكشف عن فقرة فشرحتها، ولم يتيسر إيضاح الفقرة الثانية.
ثم قرأته للمرة الثانية ولا زالت تلك الكلمة أمام ناظري، حتى تبين لي وجه الصواب فيها. وتلك الكلمة هي قول الجنيد كما وردت في الكتاب المذكور (ليس الاعتبار بالخرقة، إنما الاعتبار باُلحرقة).
وقد قال الناقد عنها في مجلة الكتاب (وهذا يدعو أن نسأل الدكتور عن تساهله أحياناً في إيراد القول الواحد على وجهين قد لا يتأثر بهما المعنى، ولكن تتأثر بهما إرادة التحقيق، فقد روى في ص ٢٩ عن الجنيد أنه قال: ليس الاعتبار بالخرقة، إنما الاعتبار بالحرقة) وفي ص ٣١ ذكر أن الجنيد قال: إنما الاعتبار بالحرقة وليس الاعتبار بالخرقة (ومؤدي الروايتين وملفوظهما يكاد يكون واحداً لولا الفرق بين إيراد النفي أولاً والحصر بإنما ثانياً وما يتبع ذلك من فرق دقيق في المعنى من حيث علم المعاني. . .).
وأقول: إن الصوفية همهم العمل ظاهراً وباطناً، فظاهراً الاحتراف وعدم الكسل، وباطناً تنقية النفس من أدرانها حتى تكون العبادة على صفاء. وقد كان الأكابر من رجال الطريق عندما يأخذون على أحد العهد يقرونه على حرفته ويطلبونه منه عدم تركها والإحسان فيها. ولذا كان الخواص يقول: إن الذي يأكل من كسبه ولو مكروهاً كالحجام أحسن من المتعبد الذي يأكل بدينه ويطعمه الناس لصلاحه. وكان رضي الله عنه لا يجيب فقيراً إلى طعامه إلا إذا علم أن له كسباً شرعياً من تجارة أو زراعة أو صنعة. وقد سأل شخص من الأمراء أن يعمل له مولداً فأبى الشيخ وقال: والله إن كسبي من هذا الخوص لا يعجبني الأكل منه، فكيف آكل من كسب الأمراء أو أدعو الناس إلى الأكل منه!
مما ذكر يتضح أن التصوف الحق هو العمل وهو المراد من قول الجنيد رضى الله عنه. وصحة قول هو: ليس الاعتبار بالخرقة، أي بلبس ثياب المتصوفة، إنما الاعتبار بالِحرفة أي الصنعة، بمعنى أن الدين الصحيح والعبادة الحقة ليس لبس الإنسان لباس التقشف