للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أبو العلاء المعري]

للأستاذ محمد إسعاف النشاشيي

- ٣ -

التشاؤم والمتشائمون

لما شاء الله أن يثب قَبيل من نامية الله تلك الوثبة، أن يطفر الطفرة، وليست الطفرة على ذي القدرة والحول بمحال، واعتدلت القامات و (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) وتحركت الألسنة بعد حين من الدهر طويل بتلك اللهجات البينات، وكرّم الله أناسيّ كثيراً على سائر المخلوقات بالذي دعته اللغات (العقل) وهو نعمة الله الكبرى، وفضيلة الإنسان على غيره العظمى

(ولقد كرّمنا بني آدم، وحملناهم في البر والبحر، ورزقناهم من الطبيات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)

(اللبابُ أهلُ الألباب، ولكل حيوان حس ولكن الله فضل الناطقين)

لّما كان الذي سمته الإفرنجية وصرنا إلى أفق الإنسانية الذي ذكره ابن خلدون ووضحه وفصَّله النشوئيون تفضيلاً (وقد خلقاهم أطواراً) ونجم في الأدمغة ذلك (الفكر) المضيء، وهو خير ما في الدنيا، بل هو كل ما في الدنيا

- كما يقول العلامة بوانكريه - ومحلُّ العقل (الدماغ) كما ذهب إلى ذلك أبو حنيفة وأرنست هيكل لا القلب - كما يقول الشافعي - واستنبط الحجى معاني للأشياء كانت خافية قبل ذلك (الارتقاء)، وهشت النفوس وبشت بما ترى العيون، وأقبل (الإدراك) وأتى (الفهم) فادرِك المحسوس أو المحس، وفُهم المنظور، والحس البحث والنظر الصرف كما يشعر غير الناطق ويلمح من دون فكرة وفهامة هما كلا شيء، كونُهما مثل العدم، إنَّ الهناءة والسعادة في البصيرة لا البصر،

لمّا ارتقينا وعقلنا وعلمنا وبنينا وحفرنا وغرسنا وتلونا:

(هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)

(هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا)

<<  <  ج:
ص:  >  >>