للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[كتاب حضارة العرب]

للكاتب الاجتماعي الكبير غوستاف لوبون

للأستاذ خليل هنداوي

تمهيد

لم يسبق أن تردد لفظ المملكة العربية والأمجاد العربية في يوم مثل هذا اليوم. ففي كل صوب من كل قطر عربي يهب هذا الحلم من نومه ويزحف هذا الراقد الفاني إلى حقيقة تمد ذراعيها وتدعو إلى تحقيق وجودها. وكل شيء من هذه الأحداث عامل يسرع في بيان ضرورة هذه الوحدة التي لا يقوم للعرب كيان بدونها. وما قيمة جسد فيه عضو يتحرك وأعضاء جامدة لا تتمشى فيها حركة؟ وكأن السياسة الاستعمارية أدركت أن هذا التقسيم الذي رمت به الجزيرة العربية إنما هو تخدير موقوت فكيف تعمل على جعله تخديراً دائماً؟ فخلقت النعرات القومية التي جرفها التاريخ فيما جرف، والتي بادت من الحاضر حتى أصبحت لا وجود لها. . . ولقد فتن بهذه السياسة قوم وعادوا يتجردون من القومية العربية ويحملون على الثقافة العربية، لأنها في رأيهم ثقافة لم تحمل شيئاً للإنسانية. وإنها لدعوى ملفقة لم يخلقها إلا الوهم الذي خلقته السياسة الاستعمارية، وجاراها عليه فئة ماتت فيها الفكرة الاستقلالية. وتجاه خطر هذه الفئة المتذبذبة التي لا تعرف لها ديناً ولا لوناً من ألوان القومية وجب أن تقوم حملات صادقة لتحطيمها ودوس كرامتها إن كانت لها بقية من كرامة. وهذا واجب تبعث عليه البواعث الوطنية التي تؤمن بحق العرب وثقافة العرب وعظمة العرب!

لقد تناول تاريخ العرب رجال من الغرب، منهم من كانت تسيره الأهواء، ومنهم من كان يستلهم العقل والحقيقة وما أقل هؤلاء! وقد كان بودنا أن نكتب تاريخنا بأيدينا بالهوى والعاطفة كما يقولون، لأننا نكتبه إذ ذاك بحروف الذهب، ونرسمه بخطوط اللهب، لأنه تاريخ قوميتنا وثقافتنا وغابرنا الذي بيده أمر حاضرنا

ألا يكتب كل قوم تاريخهم كما يشاءون؟ ألا يسجل كل شعب ماضيه كما يرغب؟ فيا كارهي مجد العرب أي عار وجدتموه إلا عار الأنفة والكبرياء؟ وأي وصمة أتوا بها إلا وصمة

<<  <  ج:
ص:  >  >>