أذاعت شركة روتر للأنباء الشرقية منذ أيام نبأ خطيراً اهتزت له قلوب هنا وقلوب هناك، وبعض الاهتزاز يثيره العجب حيناً ويثيره الإعجاب حيناً آخر. . . العجب من تناقض الأقوال والأفعال، والإعجاب بهذه القدرة القادرة على التحول من الشمال إلى اليمين ومن اليمين إلى الشمال. ولا بأس من التحول والتناقض ما دام منطق التبرير يفسر التناقض على ضوء المصلحة الفردية، ويصور التحول على هدى التلاعب بالألفاظ والعبارات!
وإليك هذا النبأ الخطير:(كانت بريطانيا هي الدولة الوحيدة التي رفضت اليوم أن تؤيد مساعدة مؤسسة اللاجئين للمهاجرين اليهود إلى إسرائيل، قبل أن يتفق على حل لمشكلة اللاجئين للمهاجرين العرب. أما الأعضاء الخمسة عشر في المجلس العام لهذه المؤسسة، فقد أعطوا أصواتهم في صالح مساعدة هؤلاء المهاجرين بمبلغ تسعة ملايين دولار، تصرف لهم خلال السنة التي تنتهي في يونيو المقبل. وقد قال مستر إدموند مندوب بريطانيا في المجلس: إن من غير اللائق إطلاقاً أن تمنح هذه المؤسسة مساعدات لهجرة اليهود إلى فلسطين، في الوقت الذي تبقى فيه مشكلة اللاجئين العرب معلقة بدون حل)!
وهكذا تجد أن بريطانيا تقف دائماً في صف العرب. . . تقف باللفظ المنمق والقول الملفق والشعور المصنوع! لقد وقفت وحدها لترفع الصوت عالياً ينقل إلى أقطار العروبة عطفها البالغ على مشكلة اللاجئين العرب؛ هذا العطف الذي يتمثل في قبض يدها عن مساعدة مؤسسة اللاجئين الدولية للمهاجرين اليهود! إنك تستطيع أن تقف طويلاً لتزن كلمات المندوب البريطاني بميزان القيمة اللفظية التي ترتكز على دعائمها كل نتيجة عملية. . . تستطيع أن تقف عند هذا التعبير الذي يمكن أن يبرز بوادر الانحراف في الغد القريب، وهو أن بريطانيا ترى (من غير اللائق) إطلاقاً أن تؤيد مؤسسة المهاجرين اليهود قبل الاتفاق على حل لمشكلة اللاجئين العرب! إننا واثقون على أن بريطانيا لا تعني ما تقول، وأنها ستؤيد غداً ما تنكرت له اليوم، وأنها ستمد لليهود يد العون كما مدتها لهم من قبل، ولا اعتراض بعد ذلك ولا عتاب. . . وأي اعتراض هذا الذي يمكن أن يوجه إلى المنطق البريطاني حين يواجه القضايا الدولية بأمثال تلك الكلمات التي تنساب من كفتي الميزان كما تنساب قطرات الزئبق دون أن تلحظها عيون؟! إن المنطق البريطاني يعد لكل موقف يحتمل التحول ما يلائمه من صيغ وعبارات. ولن تجد في قاموس البلاغة الدبلوماسية