للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[هل نملك تحريم تعدد الزوجات؟]

للأستاذ إبراهيم زكي الدين بدوي

(تتمة)

وأقول رداً على هذا الدفع أنه بغض عما إذا كان التعدد في ذاته من حيث المبدأ خصوصية للنبي أو أن الزيادة على الأربع فيه هي وحدها الخصوصية فإن ما سبق أن سقته من الإشارة إلى الأحاديث المذكورة إنما كان للاستدلال على أن المولى جل شأنه لم يكلف إلا بالعدل المستطاع بين الزوجات المتعددات، وقد رددت فيما تقدم على ما ذكره معاليه من أن ذلك كان حكماً وقتياً. أما قوله أن النبي قد أعفى من تكليف العدل فجوابه أنه ثابت بالآثار المستفيضة أنه كان عليه السلام يحافظ على القسم بين زوجاته بالرغم من رفع التكليف عنه بذلك. وقد بين عليه السلام القسم على النحو الوارد في تلك الأحاديث فوجب على المسلمين الافتداء به في ذلك. ويؤيد هذا الآثار الواردة عن بعض الصحابة - ومنهم عمر رضي الله عنه وهو من علم تشدده في مراعاة أحكام الدين - بمعنى القسم على النحو الوارد في السنة مما يدل على إنهم كانوا يرون أنهم غير مكلفين إلا بما كلف نفسه به النبي من العدل المستطاع. هذا وقد ختم معالي الباشا رده على الاعتراض المذكور، بمعارضته بأنه إن فرض أن آية (وأن خفتم إلا تقسطوا في اليتامى فأنكحوا) مسوقة للتصريح بتعديد النساء إلى أربع فقط فإنها تقرر أيضاً وجوب الاقتصار على الواحدة عند خوف عدم العدل فلماذا لم يأمر النبي الناس بمفارقة ما زاد على واحدة لأن خوف عدم العدل يملأ كل نفس حتى نفس النبي، واقتصر على أمرهم بما هو مقتضى الشق الأول من النص أي بعدم الزيادة على الأربع وأردف هذه المعارضة بقوله (أن هذا يجعلنا نرتاب أشد الارتياب في صدق تلك الأحاديث التي يحتجون بها).

والحقيقة أن ليس فيما ورده أية مدعاة للارتياب لأنه إن أراد بالعدل هنا العدل المستطاع فليس مرد القول بالخوف من عدمه إلى النبي بالنظر إلى غيره، وإنما مرده إلى الشخص نفسه وما يشعر به من قدرته أو عدمها على إجراء هذا العدل، وهذه مسألة نسبية تختلف باختلاف الأشخاص وأحوال كل وظروفه، فلم يكن للنبي إذن ما يأمر به فيها زيادة على ما ورد في الكتابة وقد كان عليه السلام يقول في مثل هذه الأمور (سل قلبك ولو أفتوك). أما

<<  <  ج:
ص:  >  >>