لهذا النوع من التطور الدلالي عوامل كثيرة سنعرض لبعضها في هذا المقال، مرجئين تكملتها إلى مقال آخر إن شاء الله
١ - عوامل تتعلق بانتقال اللغة من السلف إلى الخلف. فكثيراً ما ينجم عن هذا الانتقال تغير في معاني المفردات. وذلك أن الجيل اللاحق لا يفهم جميع الكلمات على الوجه الذي يفهمها عليه الجيل السابق. ويساعد على هذا الاختلاف كثرة استخدام بعض المفردات في غير ما وضعت له عن طريق التوسع أو المجاز. فقد يكثر استخدام الكلمة مثلاً في جيل ما في بعض تدل عليه، أو في معنى مجازي تربطه بمعناها الأصلي بعض العلاقات، فيعلق المعنى الخاص أو المجازي وحده بأذهان الصغار ويتحول بذلك مدلولها إلى هذا المعنى الجديد. وإليك مثلاً كلمة الفرنسية؛ فقد كان معناها في الأصل (الشبعان) من الطعام، ثم كثر استخدامها في عصر ما في النشوان من الخمر، عن طريق المجاز والتهكم، وللتحرج من استخدام الكلمة الصريحة في هذا المعنى وهي فعلق هذا المعنى الجديد وحده بأذهان الصغار في هذا الجيل، وتحول إليه مدلول هذه الكلمة فأصبحت صريحة فيه، وانقرض معناها القديم في لغة التخاطب.
وإلى هذا العامل ترجع أهم الأسباب في تحول الكلمات إلى معان كانت مجازية في الأصل، وفيما يعتري المدلولات في نطاقها من سعة أو ضيق. بل إن طائفة من العلماء، وعلى رأسها العلامة هرزوج قد رجعت إلى هذا العامل وحده كل ما يحدث من تطور في الدلالة.
٢ - وكثيراً ما يتغير مدلول الكلمة على أثر انتقالها من لغة إلى لغة؛ فقد يخصص مدلولها العام، وتقصر على بعض ما كانت تدل عليه في لغتها الأصلية، وقد يعمم مدلولها الخاص، وقد تستعمل في غير ما وضعت له لعلاقة ما بين المعنيين، وقد تنحط إلى درجة وضيعة