للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الشعر المهموس]

للأستاذ حسين الظريفي

ليس من البحث في شيء أن نتناول الظاهرة في العلم أو في الأدب أو في الاجتماع، ونغفل المصدر الذي انبعثت عنه كشأن الحديث الذي دار وما يزال دائراً على الشعر المهموس في (الرسالة) و (الثقافة) دون أن يصل الناقد والمنقود إلى نقطة اتصال، يتم فيها بينهما التفاهم على ما اختلفا فيه ولا يزالان على خلاف

ولو أن كلا منهما اتجه بالبحث إلى تعيين مصدر هذا الشعر في أدب المهجر، لضاقت بينهما شقة الخلاف، ولقاما بتعليل جروح كثيرة. وما كان القول بتخلف الشعر في مصر، أو بنفي هذا التخلف، إلا علة السير على الهامش وترك الصميم. وهذا ما رغبتي في أن أقول كلمتي لإملاء فراغ الموضوع

والواقع أن شعر المهجر طابعاً خاصاً يعرف به. لا من حيث مبانيه ومعانيه فحسب، ولكن من حيثية أخزى، هي ذلك الإيقاع الذي يقرع به الأسماع، أو مدى ذبذبته على حد التعبير العلمي. وهذا ما يحمل على استصواب تسمية هذا الشعر بالشعر المهموس، وتخطئة نعته بشعر الحنين. لأن هذه التسمية الأخيرة ترتكن إلى انفعال الشاعر بينما تعتمد التسمية الأولى على النزعة الشعرية العامة في قطر بعينه. فالموضوع يدور على هذه الظاهرة العامة في شعر المهجر، تاركاً وراءه البحث عن كل انفعال خاص - كالحنين - لا يقوم إلا إذا قام الباعث عليه. وما يظهر إلا لحاجة ثم يختفي

وأنا أراد نزعة الهمس هذه إلى شعر الشقيقة سورية؛ لأنها هي الأخرى تتميز بهذا الضرب من الشعر، وإن كانت تسير فيه خلف الشعر في المهجر. ويظهر أن شعراء الشقيقة وجدوا في العالم الجديد ما إذا قيهم نزعة الهمس هذه، فإذا هي علامته الفارقة في الشعر على اختلاف أغراضه وفنونه

ونحن نجد ظاهرة الهمس في النثر إلى جانب ظهورها في الشعر، ثم نجدها في فنون الغناء السوري، كما نجدها في لهجة التخاطب. فالقوة الموسيقية في الإعراب عن الخواطر والانفعالات؛ وأعني بها ما اصطلحنا عليه بكلمة (الهمس) لا تكاد تختلف في ضروب هذه الأساليب البيانية من شعر ونثر وغناء وتخاطب

<<  <  ج:
ص:  >  >>