طالعت في البريد الأدبي لعدد الرسالة - ٣٢٢ - ما تفضل بع عليّ الأديب الفاضل داود حمدان من ملاحظات قيمة على مقالي الأول في الجبرية والاختيار؛ وعنت لي ملاحظات على رده سيتسع صدره لها دون شك، والله المستعان
أما اعتراضه على أن المسلمين لم يقل منهم أحد بأن (الإنسان وأفعاله من خلق الله فلا يكون ثمة حساب أو عقاب) فواضح أن أحداً لم يقل بذلك. وما هو يخاف، ولكني أردت أن أذكر حدي القضية الذهنيين، بغض النظر عن أن الكلاميين تكلموا في الطرف الثاني أو لم يتكلموا. وهذا أسلوب واضح: أن يذكر الكاتب حدي القضية على السواء في ذلك المعقول وغير المعقول الممكن والمستحيل، ما تكلم فيه وما لم يتكلم فيه. ولعله فهم أني أريد أن المتكلمين قد تكلموا في هذا الوجه ما داموا قد تكلموا في الوجه الآخر، ويبدوا أن هذا ما بنى اعتراضه عليه
أما ذهابه إلى أن المسلمين قد أجمعوا على أن الله تعالى عالم بكل ما يحدث قبل حدوثه ففيه نظر؛ إذ قد اختلفت وجهات النظر بين الفرق اختلافاً لم يجعل وجهاً لادعائه بأن فرقة واحدة من القدرية هي التي قالت:(إن الله لا يقدر الأمور أزلاً، ولم يتقدم علمه بها، وإنما يأتنفها علماً حال وقوعها). فقد ذهب إلى ذلكم مفكرون عدة سأذكر بعضاً منهم على سبيل المثال. فالجهم بن صفوان رأس الجهمية قال:(لا يجوز أن (الله) يعلم الشيء قبل خلقه لأنه لو علم ثم خلق أفيبقى علمه على ما كان أو لم يبق؟ فإن بقى فهو جهل: فإن العلم بأن سيوجد غير العلم بأن قد وجد؛ وإن لم يبق فقد تغير، والمتغير مخلوق ليس بقديم. . وإذا ثبت حدوث العلم فليس يخلو إما أن يحدث في ذاته تعالى، وذلك يؤدي إلى تغير في ذاته، وأن يكون محلاً للحوادث، وإما أن يحدث في محل فيكون المحل موصوفاً به لا الباري تعالى فتعين أنه لا محل له. فأثبت علوماً حادثة بعدد المعلومات الموجودة)
وهشام بن الحكم قال بأن (الله سبحانه) لم يزل عالماً بنفسه، ويعلم الأشياء بعد كونها بعلم لا يقال فيه محدث أو قديم لأنه صفة والصفة لا توصف