للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ليلة وداع]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

قال لي صاحب: (أين نقضي سهرتنا الليلة؟)

قلت: (سهرتنا؟؟ فهل كتب علينا أن نسهر الليلة؟)

فقال برقة إبليسية الإغراء: (أنه آخر أيام المعرض، أفلا يحسن أن نودع مدينة الملاهي؟)

فقلت: (من ذا تودع فيها يا شيخ، وقد ودعت شبابك؟)

فلم ينهزم وقال: (نودع من خلقهن الله في أحسن تقويم)

فقلت: ولكن فيهنّ من خُلقن على صور الأبقار والجواميس، فهل ننحتفل بوداع هؤلاء أيضاً؟)

فلم يصده حتى هذا، فلم يبق إلا أن نتوكل على الله ونستودعه نفوسنا ونذهب إلى مدينة الملاهي كما أراد، وحسناً فعلنا، فما كان يمكن أن نرى حشدا أعظم من هذا في مكان أضيق من تلك التي سموها مدينة الملاهي؛ وكانت النساء أكثر من الرجال، وهن وحدهن معرض كامل، فما يخطر للمرأة صورة من صور الخلق في المرأة إلا وهي موجودة، وكانت الكثرة من العذارى الخود، والخرّد الحسان، اللواتي يترقرق الماء في وجوههن من نضرة النعيم، ويتثنين من اللين في غير استرخاء، أما القلة فكانت من الخدِلِّجات الممتلئات الأذرع والسيقان، العظيمات الأوراك والبطون، المترجرجات اللحم، المستديرات كأنهن البراميل، فلو أرقدتهن على جنوبهن ودفعتهن لتدحرجن بلا توقف

وكنت كلما رأيت واحدة من هؤلاء وقفت كالجندي، ورفعت يدي إلى جبيني بالتحية العسكرية! فيسألني صاحبي عما أفعل؟ فأقول: (هذه تحية العظمة يا سيدي!! إلى متى نظل نبخس الناس أشياءهم ونغمطهم في مصر؟؟ لقد آن جدا أن نقر لكل إنسان بحق ومزيته)

والتقينا بأصحاب لنا، فصرنا جماعة ومضينا نتنقل من مكان إلى مكان، وإذا بي أرى قريباً لي ومعه صديقة له، ما رآني قط مقبلا عليه وهي معه إلا نهض بها زاعماً أن عليه أن يفعل كيت وكيت، أو أن يقابل فلاناً أو علاناً من خلق الله الذين يتحرى أن ينتقي لهم أسماء لا أعرفها لأنها مخترعة لا وجود لها، فأكاد أتميز من الغيظ، ولكن ماذا أصنع؟ غير أني في هذه المرة أدركته قبل أن يقوم - أعني قبل أن يراني، وكان جاساً معها - كما لا أحتاج

<<  <  ج:
ص:  >  >>