وما ظهرت تباشير القرن التاسع عشر، حتى صحت العزائم على تعليم المرأة تعليماً رسمياً، ففي سنة ١٨٣٦ منحت حق التعليم الابتدائي العالي، وفي سنة ١٨٥٠ نشر قانون يقضي بإنشاء مدرسة في كل كورة يتجاوز سكانها ثمانمائة إنسان، وبعد سبع عشرة سنة عم هذا القانون الأقاليم بأسرها ولاسيما ما يجاوز سكانه الخمسمائة. وفي سنة ١٨٧٨ نشر أحد عظماء الكتاب كتاباً أسماه (الجوارب الزرقاء) أورد فيه عدة مقالات في المتأدبات والكاتبات، وقال أن هذا الجنس من النساء الكاتبات قد خرجن عن الأنوثة، وما هن إلا الرجال، بيد أنهن لم يبلغن مبلغهم، يريد بقوله صاحبات الجوارب الزرقاء النساء اللائي كن لكثرة ما صرفن من همتهن العقلية قد بلغت حالهن أن يذهدن في التجميل ويلبسن جوارب زرقاء مثل المعجبات بأنفسهن في إنجلترا.
واستطاعت المرأة بعد هذه الحقبة من الزمن أن تظهر بظهور مدام كوري تلقى دروساً في (كوليج دي فرانس)، وما بقيت قلعة للذكور إلا وتخطاها النساء، حتى ولا مدرسة المعلمين العليا ولا منابر الجامعات، ولم يبق أمامهن عائق يعوقهن عن التعلم، ونشر ما يستهوى قلوبهن، ويرضي نفوسهن، وأصبحن في حل من أن يتعلمن كما شاء لهن الهوى؛ وغدا منهن الأساتيذ والصحافيات ومديرات دور الطباعة، وأخذن ينافسن الرجال في جوائز الأدب والمجامع الأدبية العامة والخاصة، فتمت لهن كل أدوات الثقافة في بيوت العلم، ولكن القرائح تخلق خارج المدارس، وللنساء أن يتوسعن ما شئن، وليس في مقدورهن أن ينبعثن إلى الحد الذي يطمحن إليه، ولا يسرح النساء ويمرحن إلا في ظل الحرية، فإذا أخذن من عنان قرائحهن يفقدن أجنحتهن. ولذا بقين إلى أول القرن العشرين يمشين على أثر الرجال، ولم يتحررن التحرر المطلوب إلا في هذا القرن. حتى لقد قال ستندال إن قلة استعداد المرأة لبلوغ مراتب الكمال في تأليف النساء منبعث من كونهن ما جسرن ذات يوم أن يتحللن من قيودهن إلا نصف تحلل، ومتى حاولن الحرية المطلقة فكأنهن يخرجن بلا