وميزة ناجي الثانية هي قدرته على التصوير. . . وهو يصور في يسر ورخاء وخصب؛ وهو يصور الصورة الكاملة التامة بالكلمة الواحدة أحياناً يضعها في مكانها من البيت فتحار إذ ترى أنها لا تصلح إلا فيه. . . وقد يصور الصورة الرائعة بالكلمتين أو بالشطرة أو بالبيت الكامل أو بالبيتين أو بالمقطوعة أو بالمنظومة كلها، فيضع بين يديك ألواناً جيدة حسنة المزج، خالية من الصنعة والتكلف. ويحافظ ناجي على طبيعة ألوانه هذه، ويحافظ على إلا يجعلها صارخة مبتذلة، وقد يؤثر اللمس الخفيف على الخطوط القاطعة القوية، وكثيراً ما يكتفي بالرمز، بل كثيراً ما يصور بالوهم، فيجعلك تتوهم مثله لتخلق معه الصورة التي يريد
ومما يزيد في بهاء صور ناجي جودة الأداء، أقصد جودة انتقاء الألفاظ التي تحمل الصورة، وحسن سبكها، في غير مشقة ولا عسر. . . ومما يجمل التفات إليه أن جودت الأداء وحسن السبك لم يبلغا أوجهما في الشعر العربي إلا بعد ابتداع الموشحات، ومما نحمد الله عليه أن شعراءنا الشباب قد استغلوا نظام الموشحة استغلالاً حسناً ساعدهم في الثورة على القصيدة المطردة القافية فافتنوا في معانيهم وأبدعوا. . . والظريف من ناجي أنه يطبق ذلك في صمت تطبيقاً عملياً. . . ومنذ أخذنا نقرأ ناجي لم نره قط يطيل في قصائده، بل كان يؤثر لها البساطة والبحر الساذج القصير دائماً؛ فإذا كانت منظومته من طراز الموشحات رأيناه يطيل إطالة عجيبة، ورأينا مقطوعاته تحمل من الصور والبراعات ما يفتن به القلوب ويخلب الألباب
ولعل من أجمل صور ناجي تلك التي حمل إلينا فيها قلبه، والتي قدمنا منها النماذج الكثيرة في الكلمة السابقة. . . فقلبه: الشهيد المتواري في الضلوع. . . صورة رائعة فيها سحر وفيها فتنة وفيها حب وأنين وألم. . . وكلمة الشهيد وحدها حين تصف القلب تحمل إلى أذهان المحبين صور تلك الساعات الحلوة التي ألتذوا فيها آلام الصبر والتشوف والحنين والانتظار وخلف المواعيد، وهي آلام إذا أحست الجوارح الإنسانية منها شيئاً، أحس منها القلب الإنساني كل شيء. . . فما أبدع كلمة الشهيد في تصوير القلب يدمى ويألم ويتوجع