كتب إليَّ أحد تجار الورق يقول: إنه يرجو أن أرسل إليه ما بقي عندي ليسوي حساب تجارته في سنة ١٩٣٩
وأنا أيضاً أريد أن أسوي حسابي مع قومي وزماني، حساب سنة ١٩٣٩ فقط، أما حساب الأعوام السوالف فهو عبء ثقيل والرجوع إليه ضرب من الخذلان. وأين أنا مما فات ومات؟ يرحم الله جهادي في سبيل الأدب والبيان!
ربحت في العام الماضي أشياء، وخسرت أشياء!
وأعظم ربح ظفرت به في السنة الماضية هو الصداقة العظيمة التي تفضل بها قراء مؤلفاتي ومقالاتي، فأنا اليوم أشعر شعوراً قويَّاً بأن لي أهلاً وعشيرة في سائر الأقطار العربية، وهذا الشعور يزحزح ما يعترض طريقي من عقبات وأشواك، وبفضل ذلك الشعور أكاد أنسى الأعاصير التي تثور في وجهي من حين إلى حين
والكاتب كالموسيقار يسره أن يعرف أنه موصول الأواصر بالعواطف والقلوب، فمن حدَّثكم أنه لا يهتم بسخط القارئ أو رضاه، فاعرفوا أنه يقترف إثم الغرور البغيض، أو الكذب السخيف.
وتعظُم قيمة هذا الربح في قلبي كلما تذكرت أنه بشيرٌ بقيام دولة قوية للأدب العربي، وهو أدب كان يسيطر في ماضيه على كثير من الأمم والشعوب، فإن استطعنا أن ننتفع بعواطف القراء ونجذبهم إلى الأدب من جديد كان ذلك مجداً ندفع به عدوان أهل البغي على الآداب والفنون
وما الذي يمنع من أن يكون للقلم دولة في هذه البلاد؟
أتصدِّقون ما يمليه الضجر على أقلامنا من وقت إلى وقت حين نتهم مصر بالجحود والعقوق؟
إن مصر في تاريخها القديم والحديث قد استمعت كل قول، واستجابت لكل نداء، فكيف يتوهم الكاتبون والباحثون أنهم لن يلقوا فيها غير الضياع؟