للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٢ - في المسجد الأقصى]

للدكتور عبد الوهاب عزام

وقفت على شاطئ هذا السيل البشري حيناً ثم رجعت أدراجي إلى صاحبي الكريم في مصلاه، ودخلنا الحجرة التي تواعدنا اللقاء بها فرأيت على بعد خطيب المسجد الأقصى يمر إلى حجرته وهو في حلة خضراء وعمامة صلاحية، وهو زي يتوارثه خطباء المسجد الأقصى من عهد صلاح الدين؛ وهم من بني جماعة الكنانيين توارثوا هذا المنصب منذ القرن السادس إلى يومنا هذا، وإنه لشرف عظيم. كانت خطابة الجوامع الكبيرة منصباً مشرفاً في تاريخ المسلمين. وكثير من علمائنا يلقبون بالخطيب. وكانت هذه المناصب متوارثة يخلف فيها الأبناء الآباء وتحرص الأسر على شرفها، كما كانت في تاريخنا بيوت تعرف بالقضاء وأخرى بالفقه وهكذا. ذهبت إلى حجرة الخطيب فزرته وشرفت بمجالسته قليلاً ثم رجعت إلى حجرة الموعد ووافانا في موعدنا من الزمان والمكان الأستاذ المخلص فسرنا نطوف في أرجاء الحرم. بدأنا بقبة الصخرة ننظر ما كستها الصناعة والتاريخ من حلى أحدثها الرخام المجزع الذي فرغ منه المهندسون المصريون منذ سنوات قليلة. ولست أستطيع أن أحدث عن تاريخ هذه القبة العظيمة منذ شادها عبد الملك بن مروان إلى عصرنا هذا ولا أن أصف هندستها وجمالها وحلاها وأبهتها فقد ضمنت هذا كتب وصور كثيرة. وحسبي أن المقدسي يقول فيها بعد وصفها: (فإذا بزغت عليها الشمس أشرقت القبة وتلألأت ورئيت شيئاً عجيباً. وعلى الجملة لم أرى في الإسلام ولا سمعت أن في الشرك مثل هذه القبة) وكذلك أقول ما رأيت فيما رأيت من عجائب الأبنية في البلاد الإسلامية أجمل من قبة الصخرة. ويستطيع القارئ أن يرى مثالاً صغيراً ضئيلاً منها في القبة التي على ضريح السلطان قلاوون في القاهرة. ومن عجيب ما رأيت على جدران القبة من الخارج حجة وقف للسلطان برسباي وقف فيها بعض القرى على عمارة بعض الأبنية في الحرم. ولقد سجل وقفه في أطهر الصحف وأبقاها

وبجانب القبة قبة صغيرة ثمينة على مثالها غير أنها لا يحوط أعمدتها جدار. وقد قيل إن عبد الملك طلب أن يبني مثال للقبة قبل أن يشرع في هذا البناء الرائع العظيم النفقة، فبنى له هذا المثال فأعجبه، وبنيت القبة الكبرى على صورته. وقيل بل بنيت القبة الصغيرة من

<<  <  ج:
ص:  >  >>