كان لظهور هذه الحقائق المروعة عن جرائم السحرة وقع عميق في باريس وفي فرنسا بأسرها؛ ولم يكن القضاء العادي ليكفي لسحق هذه الطغمة الآثمة وتطهير المجتمع من عيثها الذريع، فرأى لويس الرابع عشر ووزرائه أن يعهد بعقابها إلى القضاء الاستثنائي، وانتدبت لذلك محكمة خاصة هي (الغرفة الساطعة) الشهيرة في ذلك العصر، وسميت كذلك لأن المحاكم الخاصة التي تنتدب للنظر في الجرائم الكبرى كانت تجلس في غرفة تجلل جدرانها بالسواد وتنار بالمشاعل والمصابيح
وعقدت (الغرفة الساطعة) جلستها الأولى في العاشر من أبريل سنة ١٦٧٩، وقررت أن تكون إجراءاتها وتحقيقاتها سرية حتى لا يقف الجمهور على شيء من الأعمال السحرية أو أسرار السموم؛ وتولى الرآسة المستشار لوي بوشرا كونت دي كومبان يعاونه عدة من أعضاء مجلس الدولة؛ وتولى لاريني مهمة القاضي المحقق؛ وكانت إجراءاتها تتلخص في أن كل من تقع عليه شبهة الاتهام يقبض عليه بأمر الملك أعني بواسطة (اللتر دي كاشيه)(أو رقعة السجن)، وتقدم نتيجة التحقيق الأول إلى النائب العام، وله وحده أن يقرر المواجهة بين الشركاء، وعند انتهاء التحقيق يرفع به تقرير ضاف إلى (الغرفة الساطعة)؛ وهي تقرر ما إذا كان يجب الاستمرار في اعتقال المتهم، فإذا قررت ذلك، أستمر التحقيق معه؛ وعند نهايته، ترفع أوراق الاتهام إلى المحكمة، فيقرؤها القضاة، ويقدم نائب الملك (النائب العمومي) طلباته سواء بتبرئة المتهم أو بالحكم عليه؛ ثم تسمع أقوال المتهم فوق منصة المحكمة وبعدها تصدر المحكمة حكمها غير قابل للاستئناف
وكانت (الغرفة الساطعة) تعقد في قصر (الأرسنال)؛ واستمر انعقادها باستمرار حتى يوليه سنة ١٦٨٢ عدا فترة أشهر وقفت فيها جلساتها؛ وبلغ عدد المتهمين الذين قدموا إليها ٤٤٢ متهماً، تقرر استمرار اعتقال ١١٨ منهم؛ وحكم بالإعدام على ستة وثلاثين، وتقرر تعذيبهم