عملت الجماعات البشرية منذ كانت على هذه الأرض لبقائها ورفاهيتها وسعادتها فوضعت من الشرائع والآداب والسنن ما يكفل بقائها ويقربها من الرفاهية والسعادة. وما زال العقل والموجدان يهديان الناس ويخرجانهم من الظلمات إلى النور، ومن الفوضى إلى النظام ومن التعامل إلى التعاون، حتى بلغ البشر مستوى الحضارة الذي بلغوه، وما يزالون يجهدون ليبلغوا المستوى الأرفع ويرقوا إلى الدرجة العليا.
وما زال الأنبياء والحكماء على مر العصور يعلمون ويفقهون ويشرعون ويؤدبون ويمكنون لشرائعهم وآدابهم في الأنفس بأسوة من العمل الصالح وحكمة من القول السديد حتى استقرت في الأنفس الشرائع والسنن وتمكنت الأخلاق والآداب.
وما زال الناس يتمسكون بما ورثوا ويزيدون عليه من هدي التجارب، ووحي الوجدان وقيادة العقل، طامحين إلى المقاصد العالية سائرين إلى الغايات الكريمة، وغن بعدت الشقة وكثرت العقبات.
وكلما ارتفعت الإنسانية خضعت للقوانين وألفتها وسكنت إليها وأحبت النظام ونفرت من الفوضى وكلفت بمعاني الخير والحق الجامعة وأعرضت عن الصغائر التي ينزع إليها الإنسان لمنفعة قريبة أو شهوة عاجلة أو لذة زائلة وعملت التي هي أقوم وأبقى وأعود على الناس بالخير والسعادة. وهكذا ترتقي النفس متى تؤثر الحقائق على الصور والروحانيات على الجثمانيات في درجات من الوقى لا تنتهي وفي الرائع والآداب تحجير على الإنسان وتقييد، وفيها نهى عما يشتهي وأمر بما يكره. وفيها تحريم للمنافع الفردية القريبة من أجل منافع جماعية بعيدة، وفيها صد عن الماديات المحسة ابتغاء الروحانيات التي لا تنالها الحواس، ومن اجل ذلك تنفر نفوس من الشرائع وتثقل عليها التكاليف وتعجز عن كف النفس عنالنفس عن شهواتها. ودفعها حتى إلى مصالحها وتقصر عن إدراك المعاني العامة الجامعة التي تؤلف بين منافع الجماعة وترقى بها إلى مستوى من الإنسانية رفيع.
يحاول كثير من الناس أن يخالفوا الشرائع والآداب سراً أو علانية. وأكثر هؤلاء في حرب مع عقولهم وسرائرهم، يرون الخير في شرائع الجماعة وسننها ولكن تقهرهم نزعاتهم،