خمنت (الاثنان) الغراء في الجزء ذي الرقم (٦٩٢) - ١٥ سبتمبر سنة ١٩٤٧ - أن الفعل (تفرعن) هو من كلام العوام، فأنزلته في تضاعيف عباراتها في مقالة من مقالاتها وسط أقواس أربع أو أهلة معرفة قراءها بما فعلت أن المقام اقتضى استعمال هذا الفعل على عاميته مبالغة في التبيين واستقصاء، وإنها بحالة لعلمية. فإن كانت (الاثنان) خمنت ما خمنته أو استيقنته فلتعلم - غير مأمورة - أن (تفرعن) فعل صحيح فصيح وعربي بحت قد نجلته العربية من (الجزيرة) ولو وضعته في مصر أو في الشام أو في العراق أو في المغرب الأقصى ما أنكرناه ولتقبلناه بقبول حسن كما تقبلنا سواه، وهي العربية المتبحبحة المتصرفة في كلامها، ولها لأئمتها أن يتصرفوا ولا يقفوا. وإنه لما جاء (فرعون) اسمه إلى (الجزيرة) وتحدث الأقوام بما تحدثوا به اشتق منه (التفرعن) و (الفرعنة) ولم يسلم هو فراح (فرعون) عند العرب صفة صرفوه فيها ومنعوه علماً فـ (كل عادت متمرد فرعونٌ) كما في اللسان والتاج، وفي الأساس:(فيه فرعنة، قال: وقد يكون مرة ذا فرعنهْ.
وقد تفرعن علينا فلان، وما هو إلا فرعونٌ من الفراعنة، ومن المجاز: تفرعن البنات إذا طال وقوى).
وخير لغاته هي ما نطق بها (الكتاب) أي بكسر الفاء وفتح العين، وحكى ابن خالويه عن الفرّاء (فرعون) بضم العين وفتحها، وهي لغة نادرة كما في التاج.
والاشتقاق من أسماء الأعلام في الجاهلية والإسلام كثير.
وقد يغنى فعل أخذ من اسم عن كلام طويل، فمن ذلك ما أورده الإمام الزمخشري في (أساس البلاغة): (وتجاحظ فلان في كلامه) وما ذكره في شرح لإحدى مقاماته:
(ابن الفرات هو علي بن محمد بن الفرات وزير المقتدر، وكان كريماً سخياً سرياً يتبرمك في أيام وزارته).
وهذان الفعلان (تجاحظ وتبرمك) المأخوذان من ذبنك الاسمين فيهما من المعاني ما فيهما، والأمثلة من هذا القبيل جمة.
ذكرني (الاثنان وفرعون) بخبر في (روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار) وبأبيات