للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قصة أميرة مصرية]

للأديب حسين شوقي

جلس الإله أوزيريس قاضي قضاة (الأمنتي) وهو الذي يحاسب الموتى في أعمالهم في الحياة الدنيا، إلى مكتبه يراجع ملفات بعض الموتى، وكانت نافذة المكتب تشرف على حدائق (الأورو) الغناء حيث حجم الزهور أضعاف حجم زهورنا الأرضية، ولكن أوزيريس لم يبال المنظر الجميل الذي أمامه، لأنه كان مشغولاً بمراجعة قضايا الموتى، وقد استلفت نظره على وجه خاص الملف الآتي، وهو لخادم شاب من أهالي منفيس. يقول صاحب الملف:

أنا (سبدو) بن (واخ) كنتُ خادماً في قصر الأميرة العظيمة تتا بمنفيس. . .

أي أوزيريس! سيد (الأمنتي) إني أنشر قصتي بين يديك: أنا (سبدو) بن (واخ) هربتُ من المدينة وذهبت إلى الصحراء، حيث قتلت نفسي بيدي لتأكل جسدي الوحوش حتى لا أبعث، لأني لا أرغب في هذا البعث، بل لا أستحقه. .

وكتبتُ هذه الوثيقة خشية أن أبعث على الرغم مني، وذلك بأن يعثر البدو على جسدي قبل أن تفترسه الوحوش فيحنطوه شفقة منهم. . . فإذا بُعثتُ أي أوزيريس! فعاقبني أشد العقاب. . .

إن أقاربي يستطيعون أن يقدموا إليك القرابين ابتغاء مرضاتك والتماس عفوك، ولكن لا تسمع إلى توسلاتهم، لأني مذنب شديد الذنب لا أستحق الشفقة. . .

كنتُ بستانياً لدى الأميرة تتا، وهي سيدة عظيمة تعيش بقصرها في عزلة عن العالم منذ أن فقدت زوجها في إحدى الحروب النوبية، ولم تكن لها تسلية غير ابنتها (شفيت)، وهي فتاة جذابة خلابة نضيرة، أشبه بزهرة اللوتس عندما تتفتح في الفجر. . . . .

لقد أحببتها لأول وهلة. . إن قلبي كاد يثب من صدري حينما دنوت منها يوماً في الحديقة، وقد نزلت الأميرة تقطف بعض الزهور التي تحبها، وليس غريباً أن تحب الأميرة الزهور، فهي شبيهة بها في نضارتها. . . ساعدتها في القطف حتى لا يدمي الشوك أناملها الطفلة. . . شكرتني الأميرة الصغيرة في ذلك اليوم بابتسامة ساحرة دون أن تنظر إلي، لأني حقير ممعن في الحقارة بالنسبة إليها، وكنتُ فوق ذلك دميماً بل دميماً جداً. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>