للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[القضايا الكبرى في الإسلام]

قدامة بن مظعون

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

هذه القضية تبين أصلاً مهماً من أصول التشريع، اشتبه أمره على قدامة بن مظعون رضى الله عنه، فأقيم عليه بسبب هذا حد الخمر، وهو صحابي بدري من السابقين إلى الإسلام، وممن حاز شرف الهجرتين، وكان زوج صفية بيت الخطاب أخت عمر رضى الله عنه، وهو خال حفصة وعبد الله ابني عمر، فإذا اشتبه عليه ذلك الأصل التشريعي وهذا أمره فغيره أجدر بذلك الاشتباه، وإذا لم ينجه ذلك الاشتباه من حد الخمر لم ينج أحداً منه ولا من غيره من أنواع الحدود والتعازير

لما ولى عمر الخلافة استعمل قدامة بن مظعون على البحرين، وكان في قدامه نزعة إلى الشذوذ في الاجتهاد، ومن ذلك أن أخاه عثمان بن مظعون لما توفى أوصى إليه بعد موته، وكان لعثمان بنت من خويلة بنت حكيم، فخطبها إلى قدامة عبد الله ابن عمر بن الخطاب، فأجاب خطبته ورأى أن يزوجها له، ولكن أمها خالفته في ذلك، ودخل عليها المغيرة بن شعبة فأرغبها في المال، فرغبت فيه زوجاً لبنتها، وكان رأي الجارية مع أمها، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى قدامة فسأله، فقال: يا رسول الله، هي ابنة أخي ولم آل أن أختار لها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هي يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها. تم انتزعها من قدامة وزوجها المغيرة بن شعبة

وقد أوقع قدامة شذوذه في الاجتهاد في مخالفة ظاهرة للشرع، فشرب الخمر بعد استعماله على البحرين، وقد رآه الجارود سيد عبد القيس، فقدم من البحرين على عمر بالمدينة، فقال: يا أمير المؤمنين، إن قدامة شرب فسكر، وإني رأيت حداً من حدود الله حقاً على أن أرفعه إليك. فقال له عمر: من يشهد معك؟ قال: أبو هريرة. فدعا أبا هريرة وسأله: بم تشهد؟ قال: لم أره شرب، ولكني رأيته سكران يقيئ: فقال له عمر: لقد تنطعت في الشهادة. يعني أنه تأنق فيها وأظهر أنه يتحرى الحق، ولكنه أتى في ذلك بضد ما يقصد، لأن رؤيته إياه سكران لا يقطع في إقامة الحد عليه، ولهذا اختلف الأئمة في هذه الشهادة، فذهب بعضهم إلى أن من تقيأ الخمر يحد حد شارب الخمر. وذهب بعضهم إلى أنه لا يحد بذلك،

<<  <  ج:
ص:  >  >>